الجمعة، 13 ديسمبر 2019

الاتقان.. في تقديم الطعام للغلبان


الحبر الأصفر
الاتقان.. في تقديم الطعام للغلبان

انتَشرَت فِي الآوِنَةِ الأَخيرَة؛ مُبَادرَات حِفظ النِّعمَة، وهي ظِاهِرَة مُثمِرَة، تَدلُّ عَلَى وَعي المُجتمَع، وإدرَاكه لأَهميّة الطَّعَام، وضرُورة المُحَافَظَة عَليه، وطَالَمَا أَنَّ هَذه الظَّاهِرَة أَصبَحت سلُوك المُجتمَع، فأَتمنَّى أَنْ نُحَافظ عَلَى مَا يَبقَى مِن طَعَامِنَا، ونُرسله لمحتَاجيه، ولَكن بشَرطٍ كَبير، وهو تَرتيب هَذا الطَّعَام؛ وتَغليفه بالإحسَان والاتقَان، وتَقديمه كهَديَّة ثَمينَة لكُلِّ مَن يَحتَاجه، وحَتَّى أُيسِّر وأُبسِّط فِكرة مَقَال اليَوم، دَعونَا نَستَشهد بقصّة؛ ذَكرهَا الشّيخ "علي الطنطاوي"، رَحمه الله، فِي إحدَى كُتبه، حَيثُ يَقول:
(رَأيتُ ابنَتي تَأخذ قَليلاً مِن الفَاصُوليَاء والأرز، ووَضعتهَا فِي صِينيّةِ نُحاس، وأَضَافَت إليهَا البَاذنجَان والخيَار، وحَبَّاتٍ مِن المِِشْمش، وهَمَّت خَارجَةً مِن البَيت.. فسَألتُها باستغرَاب: لِِمَن هَذَا؟! فقَالَت: إنَّه للحَارس، فقَد أَمرَتني جِدّتي بِذَلك، فقُلتُ لَهَا: أَحضري بَعضَ الصّحون، وضَعي كُلّ حَاجَةٍ فِي صَحن، ورَتِّبي الصِّينيَّة، وأَضيفي كَأسَ مَاء، ومَعه المَلعَقَة والسّكين.. ففَعَلَت ذَلك، ثُمَّ ذَهبَت.. وعِِندَ عَودتهَا سَألَتني: لِمَاذا قُلت لِي أَن أَفعلَ ذَلك؟!، فقُلت لَهَا: يَا بُنيّتي، إنَّ الطَّعَام صَدقَة المَال، وأَمَّا التَّرتيب فَهو صَدقةُ العَاطِفَة، والأوَّل يَملأُ البَطن، والثَّاني يَملأُ القَلب، فالأوَّل يُشعِر الحَارس أَنَّه مُتسوِّل؛ وأَرسلنَا لَهُ بَقَايَا الطَّعام، أَمَّا الثَّاني يُشعِرهُ أَنَّهُ صَديقٌ قَريب، أَو ضَيفٌ كَريم، فهُنَاك فَرقٌ كَبير؛ بَينَ عَطَاءِِ المَال، وعَطَاءِ الرّوح، وهَذا أَعظََمُ عِند الله وعِند الفَقير، فليَكُن إحسَانُكم مَلفوفاً بِكَرمٍ ومَحبَّة، لَا بَِذُلٍ ومَهَانَة..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي القَول: يَقول المُصطَفَى -صلَّى الله عَليه وبَارك-، فِي نَصٍّ شَامِل وكَامِل: (إنَّ الله يُحب إذَا عَمل أَحدُكم عَملاً أَنْ يُتقنَه)، والحَديث يُفيد عمُوم الأَعمَال، ويُشتَرط فِيهَا الاتقَان، فمَا أَحوَجنَا إلَى تَقديم الطَّعَام للإنسَان؛ مِن خِلال طَبق وصِينيَّة الاتقَان..!!

أحمد عبدالرحمن العرفج
T: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!