الحبر الأصفر
إغاثة اللهفان
في مفهوم النسيان
يَشتَكي كَثيرٌ مِن النَّاس؛ مِن
ظَاهِرة النِّسيَان، كَمَا أَنَّ تَعريفَاته تَتعدَّد مِن عِلمٍ إلَى عِلم، ومِن عَالِمٍ
إلَى عَالَم، لِذَلك سأَذكر أَبسَط التَّعريفَات وأَسهَلهَا، وأَكثرهَا مُبَاشَرَة،
وهو التَّعريف القَائِل: "إنَّ النِّسيَان؛ هو عَدَم القُدرَة عَلَى استدعَاء
المَعلُومَات مِن العَقل، عِند الحَاجَة إليهَا"..!
وإذَا بَحثنَا فِي ظَاهِرة النِّسيَان
بشَكلٍ عِلمي، لوَجدنَا أَنَّ النِّسيَان نَوعَان: نَوعٌ مَرضي، وهو مَا يُسمَّى
"الزَّهَايمر"، وهَذا يَحتَاج إلَى الأَطبَّاء المُختصِّين، أَمَّا النَّوع
الثَّاني، وهو الذي نَحنُ بصَدَدِ الحَديث عَنه، فهو النِّسيَان الطَّبيعي، ويَرجع
إلَى أَكثَر مِن عَشرة أَسبَاب، مِنهَا: ارتكَاب المَعَاصِي، والخَوف، والقَلق،
والتَّوتُّر، وعَدم مُمَارسة الرِّيَاضَة، وعَدم التَّركيز، وعَدم الاهتمَام،
وانتشَار الفَوضَى، وقلّة النَّوم، وسُوء التَّغذيَة، وحَديثُ الإنسَان إلَى ذَاتهِ
بطَريقةٍ سَلبيَّة..!
ومِن الصَّعب مُنَاقشة كُلّ سَبَب
مِن هَذه الأَسبَاب، لأَنَّ مسَاحة المَقَال قَصيرَة، كَمَا أَنَّ كُلّ سَبَب يَحتَاج
إلَى شَرحٍ وتَعريف، وتَفصِيلٍ وإسهَاب..!
لِذَلك سأَستَشهد بخَبيرين فِي مَجَالِ
الحِفظ، مِن أَجل إيضَاح سَببيْن -فَقَط- مِن أَسبَاب سُوء الحِفظ، وضعف الذَّاكِرَة:
السَّبب الأوَّل ذَكره الإمَام "الشَّافعي"،
الذي كَان يَمتَاز بقوّةِ الذَّاكِرَة، حَيثُ يَقول بأَنَّه رَأَى مَرَّة حِذَاء
امرَأة، فدَّبَّ النِّسيَان إلَى ذَاكرته، وأَضَاع مَا حَفظ، ولَم يَعُد قَادِراً
عَلى حِفظ أَي جَديد، فذَهَب إلَى شَيخه "وكيع"، وأَخبَره بِمَا حَدَث،
فنَصحه بالابتعَاد عَن المَعصية، وذَكرهَا "الشَّافعي" فِي بَيتٍ مِن
الشِّعر، حَيثُ قَال:
شَكوتُ إلَى "وكيع" سُوء
حِفظِي
فأَهدَاني إلَى تَركِ المَعَاصِي!!
أَمَّا المِثَال الثَّانِي، فهو
مَا ذَكره بَطَل العَالَم فِي الذَّاكِرَة "دومينيك أوبريان"، الذي سُئِلَ
-فِي إحدَى الحِوَارَات التّلفزيونيَّة- عَن كَيفية استعدَاده لبطُولةِ العَالَم
فقَال: (إنَّني أَستَعد مِن خِلَال ثَلَاث خُطوَات: أوَّلاً، الخرُوج إلَى الرِّيف
الإنجلِيزِي، حَيثُ الهَوَاء المُنعِش، والجَوّ اللَّطيف. ثَانياً، الابتعَاد تَمَامًا
عَن الكحُول، التي تُدمِّر خَلَايَا المُخّ، وهو مَا يَعنِي تَدمير آلَاف المَعلُومَات،
كَمَا أَنَّ السَّجَائِر تَفعَل فِعلها فِي تَسمِيم وإفسَاد خَلَايَا المُخّ، وتَجلب
العَديد مِن الأَمرَاض. ثَالِثًا، مُرَاجعة المَعلُومَات القَديمَة، وكُلّنا نَعلم
أَنَّ مُرَاجعة مَا سَبَق قِرَاءَته، تَجعله ثَابِتاً فِي الذَّاكِرَة، كَمَا أَنَّ
المُرَاجعَة تَرفع اللِّيَاقَة العَامَّة للحِفظ، وقَد قَال شَيخنا "أبوسفيان
العاصي": (إنِّي أُرَاجع مَا حَفَظتُ لأَنَّني، أَخشَى مِن التَّوهَانِ والنِّسيَانِ)..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي القَول: لقَد جَرّبتُ الكَثير
مِن وَسَائِل التَّذكُّر، ومُقَاومة النِّسيَان، فوَجدتُ أَفضلهَا: مُرَاجعة العِلم،
ومُعَاودة قِرَاءة نَفس الكِتَاب، أَو مُنَاقشة الفِكرَة مَع صَديق؛ فِي جَلْسَةٍ
مِن جَلسَاتِنَا العَامِرَة..!
يَا قَوم، لقَد نَفعَت مَعي هَذه
الطُّرق فِي تَقوية ذَاكِرَتي، فجرّبُوهَا أَنتُم، ومَن يَدري فقَد تَنفَعكُم..!!
أحمد عبدالرحمن
العرفج
T: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق