الحبر الأصفر
تصفية الحسابات تُفسِد الكتابات
أَقرَأ فِي اليَوم عَشرَات المَقَالَات؛ التي تَمدَح
هَذا الرَّجُل أَو ذَاك، وهَذه صِفَةٌ حَسنَة، بحَيثُ نَتعوَّد أَنْ نَقول للمُحسِن
أَحسَنت.. ولَكنِّي أُلاحِظ أنَّ كَثيراً مِن المَقَالَات؛ التي تَأتِي فِي سِيَاق
المَدح، تَأتِي وفِي طيّاتهَا سِيَاقاتٌ لذَم الغَير، وسأُعطي مِثالاً حَتَّى تَتَّضح
الأمُور:
يُروَى أَنَّ أَحدهم دَخل مَسجداً، وأَخَذَ يَتضرَّع
بالدُّعَاء إلَى الله؛ بأَنْ يَغفر لَه، وكَان بجوَارهِ رَجُل آخَر نَائِم، وكَان
الدَّاعِي يَقول فِي دُعَائِه: (يَا رَب، اغفِر لِي وارحَمنِي، هَا أَنَا أَدعُوك
وأَرجُوك، ولَستُ مِِثل غَيري مِن أَمثَال هَذا النَّائِم).. أَخَذَ يُردِّد هَذا
الدُّعَاء عِدّة مَرَّات، حِينهَا اعتَدل النَّائِم، وصَرخَ فِي وَجهه قَائِلاً: (يَا
أَخي، ادعُ الله كَمَا تَشَاء، ولَكن لَا تُسلِّطه عَليَّ)..!
إنَّ هَذه القصّة –بشَكلٍ مُختَصر- تَحكِي فِكرة مَقَال
اليَوم، وهو أَنَّ الكَثير مِن مَقَالَات الثَّنَاء؛ لَا تَحمل الثَّنَاء، بقَدر مَا
تُمرِّر شََتم الآخَرين، فمَثلاً يَقول أَحدُهم لصَديقه: (مَقَالك اليَوم رَائِع،
أفضَل مِن الكَثير مِن الغثَاء الذي يُنشَر كُلّ يَوم)، أَو يَقول: (مَقَالك جَيِّد
فِي زَمَن المَقَالَات الرَّديئَة)..!
أمَّا إذَا قَام وَزيرٌ بنَشَاطٍ مَيدَاني مُعيَّن،
فإنَّ مََدحه لَا يَخلو مِن شََتم غَيره، فمَثلاً يَقولُون: (هَذا هو الوَزير النَّشِط
بحَق، ونَتمنَّى أَلَّا يُصبِح كالوَزير السَّابِق؛ الذي أَدخَل الوزَارَة فِي سَباتٍ
عَميق)..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي القَول: أَتفهَّم أَنْ يَمدَح الكَاتِب هَذا
الشَّخص أَو ذَاك، أَو يُثني عَلَى هَذا الوَزير أَو ذَاك، ولَكن مَا دَخْل المُقَارنَات،
وتَصفية الحِسَابَات فِي القَضيَّة..؟!
إذَا كَان لِي مِن تَفسير، فإنَّ التَّفسير المَقبول
هو القَول: بأنَّ الكَاتِب أَو المُتحدِّث لَديه طَاقَة سَلبيَّة، وكِميَّات مِن
التَّذمُّر لابدَّ أَنْ تَخرُج، حَتَّى لَو كَان يَكتب عَن أَمر إيجَابي..!!
أحمد عبدالرحمن العرفج
T: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق