الحبر الأصفر
أقوال الشعراء.. في رمزيات الماء
دَفَعَت أَهميّة المَاء -فِي الحَيَاةِ البَشريَّة- الشُّعرَاء العَرَب
-مُنذُ القِدَم وحَتَّى يَومنَا هَذا- إلَى استحضَارهِ فِي شِعرهم، والاهتمَام بِهِ
بطُرقٍ مُختَلِفَة، ورُؤى أَدبيَّة وشِعريَّة مُتعدِّدة، مَكَّنتهم مِن جَعلهِ عُنصراً
حيَويًّا، ومَوضُوعاً شَيِّقاً فِي شِعرهم..!
فتَنَاوَل الشِّعر العَربي "المَاء"؛ فِي مَوضُوعَاتهِ المُختَلِفَة،
ودَلَالَاتهِ العَميقَة، ورَمزيَّاته المُتنوِّعَة، فالرَّمز مَهمَا تَعدَّدت صِوره،
يَظلُّ مَصدر إدهَاش، ووَسيلَة فَنيَّة، وتَجسيد لجَمَاليَّات النَّص الشِّعري،
لأنَّه يُعطي دَلَالَات مُتفرِّدة عِند المُتلقِّي، والمَاء كرَمزٍ تَعدَّدت مَعَانيه،
وتَنوَّعت دَلَالَاته فِي النّصُوص الشِّعريَّة، فلَه حضُور رَمزي كَثيف؛ فِي السِّيَاق
الشِّعري للنّصُوص الشِّعريَّة، التي احتوَتهَا دَوَاوين أَكَابر الشُّعرَاء؛ عَلَى
مَرِّ تَاريخ الأَدَب والشِّعر..!
ولَو بَحثنَا فِي العصُور المُختَلِفَة، لوَجدنَا حضُور المَاء؛ فِي
قَصَائِد شُعرَاء كُلّ عَصر، وعَلَى سَبيل المِثَال: الشِّعر الجَاهِلي، حَيثُ تَنَاوَل
دَلَالَة المَاء فِيه الشَّاعِر "عبيد الأبرص"، الذي قَال فِي مُعلّقته:
عَيناكَ دَمعُهُما سَروبُ
كَأَنَّ شَأنَيهِما شَعيبُ
واهِيَةٌ أَو مَعينٌ مُمعِنٌ
أَو هَضبَةٌ دونَها لُهوبُ
أَو فَلَجٌ ما بِبَطنِ وادٍ
لِلماءِ مِن بَينِهِ سُكوبُ
أمَّا الشِّعر الإسلَامي، فتَنَاوله "الحَطيئَة"، وللمَاءِ
فِي الشِّعر الأُموي قِيمَةٌ أُخرَى، نَجدهَا عِند "جميل بثينة"، حَيثُ
اعتَبره عُنصر حَيوي، يُنعش عَاطفة الحُب، ويُعبِّر عَن الرَّغبَة فِي الوصَال..
إذْ يَقول:
أَعِدّ اللَيالي لَيلَةً بَعدَ لَيلَةٍ
وَقَد عِشتُ دَهراً لا أُعِدّ اللَيالِيا
أَلَم تَعْلَمِي يَا عَذبة المَاء أَنَّني
أَظلّ إذَا لَم أُسْقَ مَاءَك صَادِيًا
وأمَّا فِي الشِّعر العَبَّاسِي، فلَم يَخرج "بشَّار بن برد"
عَن الإطَار الدَّلَالي والرَّمزي؛ فِي شِعر المَديح والغَزَل، فكَان وَسيلَة فِي
تَحقيق أَهدَاف الشَّاعِر، فِي مَدح شَخصيَّات الدَّولَة، أَو استمَالة الأُنثَى،
والتَّقرُّب إليهَا، حَيثُ قَال:
وَلاَحَتْ وَمَاءُ الأَزْرَقَيْن عَشِيَّةً
أنَاقيعُ تَعْفُوهَا نُسُورٌ وَأذْؤُبُ
صَفَت لِي يَد الفيَاض "روح بن حاتمٍ"
فَتلْكَ يَدٌ كَالْمَاءِ تَصْفُو وَتَعْذُبُ
وفِي العَصر الأَندَلُسي؛ كَان "المعتمد بن عباد" مُختَلِفاً
فِي رُؤيته، لأَهميّة المَاء، خَاصَّة بَعد أَسره وسِجنه، فالمَاء كَان يُمثِّل لَه
مَعنَى الحَاجَة، والحُزن والخَوف عَلَى مَصيره، ومَصير أَولَاده، لنَجد بَيته الشَّهير
الذي قَالَ فِيهِ:
صَنَعَ الرّيحُ من الماءِ زَرَد
(أَيُّ درعٍ لقتالٍ لو جَمَدْ)..
وفِي العَصرِ الحَديث، تَنَاول "محمود درويش" مَوضوع المَاء،
وقِيمته المَاديَّة والمَعنوَيَّة فِي حيَاةِ الإنسَان، مُبتَعِداً عَن النَّظرَة
السَّطحيَّة؛ التي تَنطَلق مِن الحَقيقَة المَاديَّة للمَاء، إلَى حَقيقتهِ المَعنويَّة؛
المُجسّدة فِي إيحَائيَّة ضِمنيَة، تَجعَل مِن المَاءِ مَادَة؛ بِهَا مِن الأَهميَّة
فِي تَحقيق الرَّغبَة فِي البَوح، والإبدَاع والتَّعبير؛ عَن المَشَاعِر والآلَام..!
ويَقُول فِي ذَلك:
والقَلْبُ مَهجُورٌ كَبئرٍ
جَفََّ فِيهَا المَاءُ..!!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي القَول: المَاء مُفرَدَة شِعريَّة، لَم يَتمكَّن الكَثير مِن
التَّعرُّف عَلَى بَعض أَسرَارهَا، فالمُتتبِّع لهَذه الكَلِمَة؛ سيَندَهش ممَّا فِيهَا
مِن أَسرَار، ودَلَالَات مُتعدِّدة، وقَد قَال الشَّاعِر الأَسبَاني "لوركا
صباح": (إنَّ شُعرَاء المَاء؛ هُم الذين رَأوا وتَأمَّلوا أَشيَاء، أَهمَلتهَا
حشُود الأَنهَار الوَاسِعَة)..!!
أحمد عبدالرحمن العرفج
T: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق