الجمعة، 13 ديسمبر 2019

أخبار تزعجني من وكالة "كما وصلني"!!


الحبر الأصفر
أخبار تزعجني من وكالة "كما وصلني"!!

فِي السَّابِق، كَان الإعلَام يَجمع النَّاس، ويُوحِّد الجَماهير، ويَحشد الأقطَاب، لذَلك كَانت الفِكرة تُطرَح؛ فيَسمعهَا النَّاس جَميعاً فِي وَقتٍ وَاحِد.. حَدَثَ ذَلِك فِي بِدَاية ظهُور الرَّاديو، حَيثُ كَان النَّاس يَتحلَّقون حَوله لسَمَاع الأخبَار، ثُمَّ حَدَث الشّيء نَفسه مَع بِدَاية ظهُور التِّلفَار، قَبل أَنْ تَتَطَاير القَنوَات الفَضَائيَّة فِي كُلِّ نَاحية وصَوب..!
إنَّ أَخطَر مَا تُؤدِّيه وَسَائِل الإعلَام اليَوم –عَبر شَبكَاتها وقَنوَاتها المُختلفَة- هو مَا يُسمَّى بنَظرية "تَفتيت الجَماهير  media fragmentation"، حَيثُ تَقول البَاحِثَة البَحرينيَّة "بسمة قائد البناء"؛ فِي كِتَابها "تويتر، والبِنَاء الاجتمَاعي والثَّقَافي لَدَى الشَّبَاب": (نَتيجة تَعدُّد وَسَائِل الاتِّصَال الحَديثَة، وتَنوُّع وغَزَارة المَعلومَات والإنتَاج الإعلَامي، لَم تَعُد جَماهير وَسَائِل الإعلَام الجَديد؛ هي الكُتَل الضَّخمَة المُوحَّدة والمُتجَانِسَة ذَاتها، بَل تَحوَّلت -فِي عَصرنا الحَالي- إلَى وَحدَاتٍ صَغيرة، وأَصبَح كُلّ فَرد يَتلقَّى مِن مَنفذه الخَاص؛ مُختلف المَوَاد التي تُنَاسبه، فزَادت وتَعدَّدت الخِيَارَات أَمَام مُستهلكي وَسَائِل الإعلَام، وأَصبَح وَقتهم مُوزَّعاً بَين المَواقِع الإلكترونيَّة، وشَبكَات التَّواصُل الاجتمَاعيَّة، والهَوَاتِف الذَّكيَّة وأَلعَاب الفِيديو الإلكترونيَّة، إلَى جَانِب وَسَائِل الإعلَام التَّقليديَّة، مِن تِلفزيون وصَحَافة وإذَاعة، فأَضحَى مِن الصَّعب السَّيطرَة أَو التَّحكُّم؛ أَو المُتَابَعَة للمَعلومَات الوَارِدَة، أَو الأَخبَار التي تَصل للجمهُور، وَهذا مَا يُشكِّل قَلقاً وتَحدياً فِي التَّعَامُل مَع الشّعوب، ومُحَاولة مَعرفة أَفكَارهم والسَّعي لإرضَائِهم)..!
إنَّ هَذا الكَلام -أَعلَاه- لهو كَلامٌ خَطير لمَن يَفهمونه، لأنَّ النَّاس فِي السَّابِق يَسمعون الخَبَر ويُصدّقونَه، أَمَّا الآن فقَد تَشظَّت الجَمَاهير وتَفتَّتت، وأَصبَحت الحَقيقَة أَوَّل الضَّائِعين، بَل فِي مُقدِّمة الضَّحَايَا، فصِرنَا نَسمع شَائِعة عَن مَوت فُلان، ثُمَّ نَسمع بَعد قَليل نَفي الشَّائِعَة، وفِي اليَوم الآخَر نَقرَأ الخَبَر الفُلَاني، وبَعد أَيَّام أَو سَاعَات نَقرَأ النَّفي المُضَاد، وهَكَذا تَمضي أَيَّامنا بَين الخَبَر والخَبَر المُضَاد، والمَعلومَة ونَفي المَعلومَة، وكَأنَّنا نَخوض حَرب الصِّدق مَع الكَذِب، أَو مَعَارك الحَقيقَة مَع الشَّائِعَة، أَو صِرَاع المَعلومَات مَع الافترَاءَات والتَّقليعَات..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي التَّأكيد عَلَى أَنَّ الحَقيقَة مَوجودة، ومَن أَرَادهَا، فليَجتَهد فِي البَحث عَنهَا، وليَتْعب في الحصُول عَليهَا، ولَا يَكُن كالمستَعجلين، الذين يَأكلون مِن قدرٍ مُهترئ رَديء؛ اسمه "كَما وَصَلَنِي"..!!

أحمد عبدالرحمن العرفج
T: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!