العِرَاق وَالخُبْز
والفِرَاق ..!
مُنذ
سنين التُّراث قال أبوالعلاء المعرِّي:
إِذَا
قُلْتُ "المُحَالَ" رَفَعْتُ صَوْتِي
وَإِنْ
قُلْتُ "اليَقِينَ" أَطَلْتُ هَمْسِي!!
لماذا
نهمس إذا أردنا قول "اليقين" ؟!.. ابحثوا عن الإجابة، مُستعينين بصَديق
مِن التُّراث يُقال له حَاتم، حيث سَأل حاتم –هذا- الحَاكِم بأمر الله قَائلا:
"أين نجد الخُبز"..؟!
وبَعد
غَفوة مِنَ الزَّمان جاء عُمر، وأظنّه شَقيقاً لحاتم، فبَادره الحَاكِم على الفَور
قائلا: أظنَّك ستَسألني أين الخُبز..؟!
فقَال
عُمر: "كلَّا يا سيّدي، إنِّي أسألك أين أَجد حَاتم"..؟!
هذه
القصة يرويها الرّكبان عن عِراق الخير، عِراق الرَّشيد، وبغداد المَنصور، ولا عزاء
للفُراتيين!!
ما
أكثر ما يُكتب من أنين، ولكن لأنَّنا نَعيش المُحال تَسيل الأقلام عَذاباً، وجَحيماً،
ألم نعلم أن اليقين رَفيق الهمس؟!!
هذا
هو العِراق، مُرتجف في كُلِّ المفاصل، لقد أصبح ذِكرى في ارتجاف المُدن، وأهل
الأوطَان، تلك الذّكرى التي أوجعت الشّعراء والبُسطاء والأُمراء..!!
خُذ
مَثلا.. شاعرهم البَائِس الذي أضناه الفِراق، وحلت به الذّكرى، فأصابته هزَّة،
واستبدّ به ارتجاف، كما يهزّ العصفور رَش المَطر، ليقول في ذلك:
وَإِنِّي
لَتَعْرُونِي لِذِكْرَاكِ هَزَّةٌ
كَمَا
انْتَفَضَ العُصْفُورُ بَلَّله القَطْرُ
إنَّها
ارتجافات على دُفعات.. ولكن هل تتصوَّر فِراقاً يكون على دُفعات..؟!
أتوقَّع
أن ذلك مُمكناً.. خاصَّة ونحن في عصر كُلّ شيء فيه بالأقساط الشهريّة أو السنويّة..
لقد أخبرني صديقي الشَّاعر "العراقي" الرّوعة عدنان الصائغ عن حبيبته، وقد
تفارقا على دُفعات، قائلا:
(اقتربتُ
منها
اقتربتُ
أكثر...
وعِندما
مَددتُ كَفِّي لأُودّعها...
لَم
أَجد أَصَابعي
بَل
عَشر شمُوعٍ –مِنَ الحَنين-
تَذوب
ببُطء...
قَالت:
سَأرحلُ
لَم
أُصدِّقها...
قَالتْ:
إنِّي رَاحلة
لَم
أُصدِّقها...
وَعِندَما
لوَّحَتْ بكفيها المُمطرتين
مِن
وَراء نَافذة قِطار الرَّحيل
لَم
أُصدِّقها...
وهَكذا
مَرَّت ثمانيةُ أَعوام عَلى غيابها
وَأنَا
لَم أُصدِّقها...)
كان
الله في عونك يا عدنان، وعون أمثالك مِن الصَّعاليك، الذين أضاعوا أعمارهم في
انتظار الحَبيبة، التي لم تحضر إلَّا على جمرات التَّمنِّي، ووقود التأمُّل!!
أحمد
عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق