الحبر الأصفر
حتَّى الفِئرَان
تُحِبُّ الشِّعر المُجلَّل بالاتقان ..!
كَثيرة
هي الأسمَاء التي قَصَّرت الشُّهرة مَعهم، ووَقفَت دُون الوصُول إليهم، ومِن تِلك
الأسمَاء اسم الشَّاعر المهجري "إلياس فرحات"..!
هَذا
الأديب "السَّاخِر"، تَعرَّفتُ عليه في السَّنة الرَّابعة مِن دِراستي
الجَامعيّة، وكَان خَير مُحبِّب لي في القِرَاءة، وأقرب صَديق ألجأ إليه إذَا عَزّ
"الغَائِب"، وابتَعد "الصَّاحِب"..!
وأجمَل
مَا في أديبنا "إلياس"، أنَّه لَم يَدخل المَدرسة، لذَلك كَان رَجُلاً فِطريًّا،
لا يَعرف الكَذِب، أو مكيَاج البَلاغة، التي تُجمِّل القَبيح وتَتصنَّع المَليح، لَذلك
دَخل مَدرسة الحياة، وتَعلَّم مِن مُعلِّميها.. يَقول في ذَلك:
لَئِن
كُنتُ لَم أدخُل المَدرساتِ
صَغِيراً،
ولا بَعد هَذا الكِبَرْ
فَذَا
الكَون جَامعَة الجَامعَاتِ
وَذَا
الدَّهر أستَاذها المُعتبرْ!
تَعرَّفت
عَليه مِن خِلال كُتُبه، خَاصَّة كِتَاب: "ذِكرَياتي بين صَبَاح الحيَاة ومَسائها"..
كَانت مَسيرته خَلف لُقمَة العيش تُؤلمني، فقَد طَاف البَرازيل -عَبر مُستنقعاتها وفَيافيها-
عَلى قَدميه، أو عَلى مَركبة تَجرّها الخيل، سَعياً خَلف "العيش الشَّريف"،
وقَد أتعَبته هَذه اللُقمَة، لذلك قَال:
أُغرِّب
خَلف الرِّزقِ، وهو مُشرِّق
وأُقسمُ
لو شرَّقتُ كَان يُغرِّب
ونَشرَبُ
ممَّا تَشرَب الخيل تَارة
وطوراً
تعاف الخيلُ مَا نَحنُ نَشرب!
كَانت
كِتَابات أديبنا "إلياس فرحات" أنيقة رَشيقة، ودَواوينه "سَمينة
الرَّوعة"، خَاصَّة دواوين "مَطلع الشِّتاء"، و"فَواكه رَجعيّة"،
و"أحلام الرَّاعي".. وله كِتَاب نَثري اسمه "قَال الرَّاوي"..!
ومِن
أطرَف مَا يُروى، أنَّ شَاعرنا –كَما يَقول الأديب "وديع فلسطين"- كَان
يَحتفظ بدَواوينه في بيته بالبَرازيل، ويهديها إلى رِجَالات الأدب، ولَكن في إحدَى
سَفراته لزيارة وَطنه "لبنان"؛ بين عَامي 1959 – 1960م، هَجم عَلى هَذه
الدَّواوين قَطيع مِن الجِرذَان والفِئران، والتَهَموا أكثرها.. فكَتب "فَرحات"
إلى صَديقه الشَّاعِر "جورج صيدح" -في باريس- فرحاً بهَذه الخطوة مِن
الجِرذان، قَائلاً لَه: (الحَمد لله.. أخيراً وَجدتُ مَن يَستطعم شِعري، ويُحبّ دَواويني)..!
حَسناً.
مَاذا بَقي..؟!
بَقي
القَول: إنَّ حَال الأُدبَاء هَكذا، قَرين اليَأس، صَديق القنوط، رَفيق الفَقر،
وأتذكَّر أنَّ أحد الأُدبَاء قِيل لَه: لمَاذا "لا تُدخِّن"..؟! فقَال عَلى
الفَور: (كَفَى بالأدب آفة، ولا أُريد أن أُضيف إلى آفة الأدب آفة التَّدخين)..!
ولله
دُرّ أُدبَاء المَاضي عِندما صَرَّحوا بأنَّ "الأدَب مَا يُؤكِّل
عيشاً".. والله المُستعان عَلى مَا يَقوله الأُدبَاء، الشُّعرَاء مِنهم والنُّثرَاء..!.
أحمد
عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق