الخميس، 5 ديسمبر 2019

كاتب بلا موهبة ..!


كاتب بلا موهبة ..!

على طريقة السيّد الشُّجاع "جَان جَاك رُوسّو" صاحب كِتاب "الاعترَافات"، سأكون شُجاعاً وأقول: إنَّني اكتشفت مُؤخَّراً أنَّني مَنزوع الموهبة في الكِتَابة، عَلى غرار الحليب "المنزوع الدَّسم".. والمشكلة أنَّ هذا الاكتشاف جَاء مُتأخِّراً، لكن لا بَأس، فالعَرب تَقول: "لأن تَأتي مُتأخِّراً خير مِن الذي لا يَأتي".. آه.. ما أكثر مَا قَال العَرب!
هذا الاكتشاف المُتأخِّر أصابني بالهَلع –أي الخوف-، فأحببتُ أن أجد شريكاً، لأنَّ المُصيبة كُلّما كانت جماعيّة؛ كانت مِثل نَاشئة الليل؛ أخف وأقوم قيلاً!
قلَّبتُّ بطون الكُتب وأفخَاذ المَعرفة وصدور المُجلَّدات، ولَم يَخب الظَّن في المَعرفة، فقد وَجدتها، ولا عجب في ذلك "فالعِلْم بَحر" –كما يُقال-!
لقد وجدتُ الكاتب الشّهير "روبرت بنشلي"؛ يقول بالحرف الواحد: "إنَّني بعد خَمسة عَشر عاماً؛ اكتشفت أنَّني غير موهوب في الكِتَابة، لكن مَع هذا لم أتوقَّف، لأنَّني بَعد كُلّ هذه السِّنين أصبحت مَشهوراً"! (انتهى).
لن أقول إنَّني مشهور مثل السيّد "روبرت"، بل أقول إنَّ الشُّهرة تُدخِل المَرء "دَائرة الوَهم"، فيُصدِّق نَفسه، ويُصبح مِثل "جُحا" الذي كَذب كِذبة؛ ومع دوي النَّاس الذين صَدَّقوه، اضطر أن يُصدِّق كِذبته!
إنَّ الاعتراف "سيّد الأدلَّة" -كما يُقال-، ولكن الاعتراف –هنا- يَجيء حتَّى يُعيد المَرء صياغة نَفسه، وفق "مُتطلّبات المَرحلة وضَرورات العَصر"، كما هي لغة العارفين ببواطن الأمور!
"الاعتراف" –كما يَقول العرب- يَهدم "الاقتراف"، لذا ليَعتبر مَن شَاء أن يَعتبر هذه المَقالة "اعتراف يَهدم الاقتراف"، وكما يَقول الغَرب: (مَن أقرّ بذَنبه لا ذَنب عليه)، وهو نَفس المَعنى للمَثَل الإنجليزي القَائل: (Confessing of a fault makes half amends). علماً بأنَّ التَّرجمة الحرفيّة للمَثَل تقول: (Pleaded guilty of no sin on him).
وهذا الاعتراف، لا يَعني التّوبة بحَالٍ مِن الأحوَال، أو بقولٍ مِن الأقوال، وإنَّما يَعني أنَّ المرء قد يَكتشف أنَّه بلا مَوهبة، فيَسعى إلى "التَّدرُّب" أو "اكتساب الموهبة"، على رأي مَن قال: "إنَّ الموهبة مِن المُمكن أن تُكتسب"!
والمرء عندما يَعترف، فهو يَحرق على الآخرين شموع الاكتشاف، ليُصبح عند الاكتشاف؛ كمَن يَأتي "بخبرٍ بَائت"، والأطباء يقولون: "إيّاك ثم إيّاك أن تأكل الخُبز البائت"، والأمر يَتّسع ليَشمل "الخبر البائت"، ولا عَجب.. فالفرق بين الخَبر والخُبز نُقطة، والنُّقطة –هنا- في غاية الأهميّة، لأنَّ البَحر كُلّه تَحت بَاءه نُقطة واحدة فَقط!
قَاتل الله التَّورُّط، لأنَّه يُدخل المَرء في مَتاهات المُكابرة والادّعاء، إذ كَان لِزاماً عَلى صَاحب هذا القلم المكسور؛ أن يَتوارى خَجلاً مِن سوء ما بُشّر به مِن تَواضع الموهبة، ولكن ألا تُلاحظون أنَّ المَال قد يَسحب الفَتى إلى مَهاوي الرَّدى؟!.. ولكن الكِتَابة تَبدو –هنا- جزءٌ مِن العَمل، بمَعنى أنَّها مَدفوعة الثَّمن، وكم هو مَحظوظ مَن يبيع الكلمة بـ"ريال ونصف"، مثل هذا الذي بين أعينكم، ولا يَملك مِن حطام الدُّنيا إلَّا مَوهبة قديمة، وحَرف مُستعمل، وفِكر مُستعار!.

أحمد عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!