الهِبَاب في أعمار
الشُّعراء والكُتَّاب ..!
نُسلِّم
بأنَّ الأعمَار بيد الله –جَلَّ وعَزّ- ونُدرك أنَّ كُلّ نَفس ذَائقة المَوت..
ولكن هل للمهنَة عَلاقة بطُول الأجل وقِصَره..؟!
سُؤال
طَالما طَرحته عَلى نَفسي.. فمَثلاً أظنُّ -وليس كُلّ الظَّن إثم- أنَّ سَائق التَّاكسي
أو الحَافلة الذي يَذرع الطُّرق الطَّويلة أكثر تَعرُّضاً للمَوت مِن غيره.. كَما
أنَّ كُلّ المِهَن التي فيها مُخاطرة؛ تَكون أقرب إلى المَوت مِن غيرها، ولكن مَا
أدهشني، هو أن يَكون لمهنة الشِّعر عَلاقة بالمَوت، ليُصبح الشُّعراء في حضورهم عَذاب،
وفي غيابهم حِسَاب، يَتكلَّمون، وكلامهم سَراب، يُعادون، وعَداوة الشُّعراء سيّئة المآب،
مُتعبة الإياب.. وقَد كُنَّا نَظنُّ أنَّ الشُّعراء هُم الذين يَملأون القَلب سَعادة
وسروراً..!
ولكن..
ما الدَّاعي لهَكذا سَلام..؟!
لا
شيء أكثر مِن خَبر نَقلته "وكالة رويترز" يَقول: إنَّ بَاحثاً أمريكيًّا
–حتَّى في البَحث لا نَستغني عَن أمريكا– اكتشف أنَّ الشُّعراء يَموتون قَبل كُتَّاب
الرّواية، وكُتَّاب المسرحيّات، وغيرهم مِن الأُدبَاء..!
وقَال
البَاحث –واسمه "جيمس كوفمان" مِن جَامعة ولاية كاليفورنيا–: إنَّ السَّبب
في هَذا "المَوت العَاجِل" رَاجع إلى أنَّ الشُّعراء "يَتعذَّبون"،
أو أنَّهم يَكونون عُرضة لـ"تَدمير الذَّات"، أو يُصبحون مَشهورين في سِن
مُبكِّرة، وهو مَا يَجعل وَفاتهم تَحظى بالاهتمام..!
وقد
نَشر الأستاذ "كوفمان" بَحثه في دوريّة "بحوث الوَفاة"، وأشار
إلى أنَّه تَوصَّل إلى هذه النَتيجة بعد دراسة أحوال (1987) أديباً وشَاعراً
وروائيًّا، عَاشوا في قرون مُختلفة مِن الولايات المُتّحدة والصِّين، وتركيا
وأوروبا الشّرقيّة..!
ولكن
يَجب ألا يَقلق الشُّعراء العَرب و"المَحليين"، لأنَّ الدِّراسة أوضحت
الأعمَار، إذ قَال "كوفمان": في المتوسّط يَموت الشُّعراء عن (62) عَاماً،
وكُتَّاب المَسرحيّة عَن (63) عَاماً، والرّوائيّون عَن (66) عَاماً، والكُتَّاب
غير الرّوائيين عن (68) عَاماً..!
لستُ
أدري، مَاذا يُريد الأستاذ "كوفمان" أكثر مِن هَذا العُمر، لأنَّ أعمَار
"الأُمَّة" بين "السّتين والسّبعين"، والنَّادر مَن يَتجاوز ذَلك..!
ثُمَّ
لتَعلم –أيُّها السيّد البَاحث– أنَّ العَالَم سيَكون أحلى وأجمل مِن غير شُعراء،
ولا أريد أن أُذكِّرك بأنَّ الفيلسوف اليُوناني القَديم "أفلاطون" طَالب
بإبعاد الشُّعراء مِن مَدينته الفَاضلة..!
أتدري
لماذا..؟!
لأنَّهم
مَراسيل أذيّة، ودُعاة عَداوة، وعَداوة الشُّعراء بئس المُقتنى، ولا أقول إلَّا
ليتَ أعمارهم كَانت أقصَر مِن هكذا مُدّة، لأنَّ شَاعرهم الشَّعبي يَقول: إنَّ الطِّيبين
يَموتون بسُرعة، أمَّا الخُبثاء هُم الذين يُعمِّرون..!
لو
انت طيّب كَان ميّت مِن العَام
مير
الخَبيث بقُدرة الله يعمّر!
حَسناً.. مَاذا بَقي..؟!
بَقي
القول: إنَّه حتَّى في مَوت شُعرائنا، لَنا خصوصيّتنا، لأنَّ الشُّعراء عِندنا
أعمارهم طَويلة جدًّا، ونَظراً لأنَّ الكُتَّاب في أكثر أحوالهم رُومانسيّون، فَلا
مَانع أن نُلحقهم بالشُّعراء، ليَكونوا في نَفس الخصوصيّة، بحيثُ يَملكون أعماراً
طَويلة.. فَما السِّر في ذَلك..؟!.
أحمد
عبدالرحمن العرفج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق