الشَّجر اليَابِس
تَأكُله الخَنَافِس ..!
العَربي
كَبير الرَّأس، لذا نَجده يَهتم بأخبار كَشمير والشّيشان، وأمريكا ومَا وَراء البَحر
الكَاريبي، ولكنَّه يَنسى -بل "يُهمل"- مُحيطه وحيّه، والمساحة التي يَعيش
فيها، بل يَعتبر الاهتمام بالأمور "البسيطة" مِن القَضايا "التَّافهة"..
مِن هُنا، فإنَّ مَوضوع "قَطع الإشارة"، و"الهروب مِن المَدارس"،
و"التَّعصُّب الرِّياضي"، و"سَراويل طيّحني"، كُلّ هذه القَضايا
تُعتبر عند المُثقَّف -كبير الرَّأس- مِن الأمور التَّافهة.. الأمر الذي يَجعلنا نَطرح
السُّؤال التَّالي: هل تُؤثِّر القَضايا التَّافهة على حياة النَّاس..؟!
الإجابة
تَتَّضح بالأمثلة.. ولكن قَبل الأمثلة، سأقول –بارتياحٍ عَريض- بأنَّني في السَّابق
كُنت أضرب الأمثلة بأصحَابي، الذين أمون عليهم، ولكن مع التَّجارب والشَّواهد، اتَّضح
أنَّ بَعض أصدقائي لا يَتحمَّلون التَّشبيه أو التَّمثيل، لهذا ولغيره، رجعتُ إلى
"حيواناتي" لضَرب الأمثلة بها، ولا عَجب فهي أوسع أُفقاً، وأَرحب صَدراً،
وأقل ضَجراً، وأكثر صَبراً..!
حَسناً..
في عَالَم الحيوان، نَجد أنَّ الأشياء التَّافهة أو البَسيطة تُدمِّر حياة
"الحيوان"، ومَن مِنَّا لا يَعرف كيف أنَّ "الفيل" لا يُدمِّر
حياته إلَّا نَملة، تَستقر أنفه، فتَجعل حياته عَاليها سَافلها..؟! كما أنَّ "الفأر"
-وهو حيوان صَغير- كان سَبباً في إسقاط سَد مَأرب "القوي".. وعَلى ذِكر "النَّملة"
مَازلتُ أتذكَّر أنَّ "نَملة" دَخلت في أُذني –ذَات طَلعة بريّة دَاخل
خيمة-، ومَع دخولها وَدَّعتُ "السَّعادة والرَّاحة"، حتَّى خَرَجَت بَعد
عَشرات المُحاولات..!
وتَقول
كُتب التَّاريخ: إنَّ أحد الطُّغاة سلّط الله –جلّ وعزّ- عليه ذُباباً، فضَعُفَ
الطَّالب والمَطلوب.. كما أنَّ طَاغية آخر تَسلَّط عليه "بَعوضاً"، حتَّى
نَغَّص عليه حياته..!
وطَالما
أنَّنا في سياق الحيوان، فمَن مِنَّا لم يَحفظ البيت القَائل:
لا
تَحْقِرَنَّ صَغيراً في مُخَاصَمَةٍ
إنَّ
البَعوضةَ تُدمي مُقلةَ الأسدِ
وكما
تَرون، فنحنُ في رِحاب بَني حيوان.. والشَّواهد مِن هذا العَالَم الحيواني الجَميل،
فالفِكرة مِنهم والأمثلة مِنهم، وكما يُقال: (طَعام البيت)، أو كما هي عبارة شيخنا
الكبير "مارون عبود": (مِن حَوَاضر البيت)..!
والغريب
أنَّ قصص الحيوان هي الشَّاهد والمُنقذ؛ للمُربِّين والفُضلاء، مِن أمثال الأستاذ
الكبير "ديل كارينجي"، صَاحب كِتَاب "دَع القَلق وابدأ الحياة"،
فهو يُعطي أمثلة على أنَّ الإنسان قَد يُقاوم الأمور الكبيرة.. مِثل بَعض كُتَّابنا،
ولكنَّه -مع الأسف- يَسقط مِن "الأمور الصَّغيرة" التي يُسمِّيها "تَافهة"،
لذا يَقول "كارينجي" في هذا الصَّدد: (يُوجد رُكام شَجرة ضَخمة، على سَفح
جَبل "لونج" في "كلورادو"، قَدَّر عُلماء الطَّبيعة عُمرها
بأربعمائة عَام، هذه الشَّجرة وَاجهت –خلال عُمرها المَديد- ضَربات البَرق حوالى
14 مَرَّة، إضافةً إلى عددٍ كبير مِن الانهيارات الجليدية والعَوَاصف، ولكنَّها عَاشت،
حتَّى وَاجهها –أخيراً- جيشٌ مِن "الخَنَافِس"، فسوَّاها بالأرض، حيث
التَهَمَت اللحَاء، ودَمَّرتها.. وهكذا كانت نهاية الشَّجرة "مَارد الغَابة"
التي لم تَذبل، ولم تَحترق أمام نَار البَرد، ولم تَنحنِ للعَوَاصف، لقد سَقَطَت
أمام "الخَنافس".. تلك الحَشرات الصَّغيرة، التي تُسحق بين سَبَّابة
وإبهَام الإنسان)..!
حَسناً..
مَاذا بَقي..؟!
بَقي
القول: ألا تَرون أنَّ كَثيراً مِن كُتَّابنا يَهتمُّون بالشَّأن الدَّولي –البَعيد-
في حين تَفتك بنا وبهم تلك الأشياء التي يَعتبرونها "تَافهة"، مِثل
"الصَّرف الصِّحي"، و"الطَّلاق" و"انتشار المُخدَّرات"..؟!.
أحمد
عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق