الوَثِيقَةُ الأَدَبِيّة فِي
النَّوَادِرِ الدِّيِنِيّة ..!
أَحْسَن
البَاحث السُّوري عَبدالمُعين المَلُّوحي، حين أَخرج للنَّاس كِتَابه الغَريب
المُعَنْوَن بـ"نَوَادر دِينيّة"، لأنَّه فَتح نَافذة في جِدَار الكآبة،
وخَرَق فَتحة في سَفينة اليَأس التي تُحيط بهذه الوُجوه!!
وقد
رَجَع البَاحث إلى 25 كِتَاباً تُراثيّا، ليَستخرِج لنا "رَائعته
الفُكاهيّة".. والحَق أنّ هذه الكُتب على وَزن ثَقافي مُعْتَبر، من أمثال
"الأغاني"، و"أخيار الحَمقى والمُغفَّلين"، و"بَهجة
المَجالس"، و"العَقْد الفَريد"، و"تَاريخ ابن عَساكر"!!
وقد
تَحدَّث البَاحث عن سَبب التَّأليف، حيث حَصرها بمَحاور ثَلاث:
أوّلها:
تَسليَة القَارئ وإشَاعة شِيء مِن المَرح؛ فِي هَذا الزَّمان الكَئِيب.
وثَانيها:
إعطَاء صُورة عن حَياة وسُلوك فِئات عَديدة في العُصور القَديمة، فِئات تَمتاز
بالمَرَح وخِفَّة الدَّم "لا العَقل"، فِئَات من أمثال
"الأعراب"، و"الخُطباء"، والقُضاة"،
و"المُتنبِّئون"، و"الأغبياء"، و"الأذكياء".. الخ!!
وثَالث
أسباب التَّأليف -وهو في نظري أهمها-: المُقارنة بين سِعة آفاق رِجال العِلم
والأدب في عُصور الازدهار العَربي، وضِيق أُفقنا في العَصر الحَديث!!
إنَّ
البَشَر –بكُل فِئاتهم ومَناصبهم- بحاجة إلى مَعرفة مِقدار المَرح والسُّرور، وحِس
الدّعَابة الذي كَان يَمتاز بِه سَلفنا.. لأنَّ الوُجوه –هُنا- تَعيش حَفلة حُزن،
الفَرَح فيها يُشبه التَّرح، ولم يَعُد المَرء يُفرِّق بين دَعوة العُرس ودَعوة
العَزاء، فالوُجوه هِي هِي، والطُّقوس هي هي، ولولا المُفردات لما عُرف العَزاء من
العُرس الذي يَستدعي الغِناء!!
إنَّ
كِتَاب "نَوَادر دِينيّة"؛ كِتَاب نَحتاجه في هَذا العَصر.. حيثُ أصبح
وَجه وَاحِدنا "عَبوساً قَمطريرا" مِن غَير سَبب أو تَبرير!!
يَرى
الجَاحِظ.. ويَرى كَثيرون غَيره.. أنَّ مَزج الجِدّ بالهزل؛ أمرٌ يُحْتَاج إليه..
لأنَّه "يُساعد على إيصال الرِّسالة"، لهَذا أصبح "قَول
الهَزل" مِن الأشياء التي نَحتاج إليها!!
وقَد
قِيل: "إذَا كَان لا يُتوصَّل إلى ما يُحْتَاج إليه إلَّا بما لا يُحْتَاج
إليه.. فقد صَار ما لا يُحْتَاج إليه يُحْتَاج إليه"!!
ومِن
مَرويّات الجَاحِظ في سِياق النَّوَادر، أنَّه يَرى أنَّ "النَّوَادر
والنُّكت" يَجب أن تُروى بِنَصِّها دُون تَعديل.. لذا قَال: (وأنَا أقُول
إنَّ الإعراب يُفسد نَوَادر المُولِّدين، كما أنَّ اللحن يُفسِد كَلام الأعراب)!!
حَسنَا..
مَاذا بَقي؟!.. بَقي القَول إنَّ المُؤلف عَلى شَجاعته وجَسارته، لَم يَستطع أن
يَنقل النُّصوص من غير حَذف أو تَعديل، وقد اعترف بذلك حين قَال في المُقدِّمة:
(وأعترف أن أُفقي كُان أقل سِعة مِن آفاق آبائي وأجدادي، فحَذفت شَطراً من
النَّوَادر الصَّارخة التي تَسامحوا في إيرَادها في كُتُبهم، فِيما سَبق، ولم
أتَسَامح في إيرادها في كِتَابي اليوم)!!
أظنّ
أنَّ كَلام المُؤلِّف أَمير الكَلام.. لذا يُحسن بِي أن أجعله هُو
"الخِتَام"..!
أحمد عبدالرحمن
العرفج
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق