الخميس، 5 ديسمبر 2019

الفَاكِهَةُ المَسْرُوقَة ..!

الفَاكِهَةُ المَسْرُوقَة ..!

يُقال إنَّ مدينةً أُعلن فِيها حَظر التَّجوّل، فخَرج أكثَر أَهلها لمَعرفة "لماذا الحَظر"!! مِن هُنا كَان الحَظر أو المَنع سَبباً فِي الخروج!!
ومَتى وَقع حَادث فِي أي مَدينة، رَأيتَ "التَّجمهر" عَلامة فَارقة، حيث يَجتمع كُلّ مَن لا شَأن لَه، ومَن لا يَنفع بشيء، في حِين يَغيب أهل الشَّأن مِن إسعَاف ومرُور ورَجُل مَسؤول، الذين يَجب حضورهم، حيث تَظهر الصُّورة وكَأنَّ مَن أُمر بالحضور غَاب، ومَن أُمر بالغياب حَضر وآب!!
وفي عَالَم الكِتَابة والتَّأليف.. يَبدو الكِتَاب المَمنوع أو المَقال المَحجوب، هو المَقصد والمُراد، والسَّبب أنَّه يَتدثَّر "بالمَنع"، حتى وَصل ببعض المُؤلِّفين "تَمنِّي ورَجَاء" أن تُمنع إصدارتهم حتى تُحقِّق الهدف.. وتَصل للقُرَّاء.. ولا تَعجَب أن نَصل لقَاعدة تَقول: (إذا أَردتَ لكِتَاب أن يَنتشر.. فامنَعه)!!
وفي العلُوم الإسلاميّة.. يَقول أهل التَّفسير: إنَّ آدم لَم يَتطلَّع إلى الأكل مِن الشَّجرة إلَّا حين أُمر باجتنابِها، فَأخَذَت الوَساوس تَشق طَريقها إلى تَحريضه وحَثّه عَلى "كَسر حَاجِز المَنع"!!
ومِثل هَذه المُمارسة البَشريّة مُستقرّة في الطَّبع الإنسَاني، وإن كَانت تَتفاوت مِن شَعب إلى شَعب وَفقاً لثَقافته وتَعليمه وتَربيته، ولكَ أن تَتخيّل أن العَربي يَستحوذ عَلى أكبر مساحة مِن كمية الفضُول "اللقافة"، رَغم أنَّ التَّعاليم الدينيّة تَحثُ عَلى أن مِن حُسن إسلَام المَرء تَركه مَا لا يَعنيه!!
ولكن تَأبى الطّباع البَشريّة إلا أن تُسيطر عَلى صَاحبها، ولن تُفلح التَّعاليم أو الأوامِر أو النَّصائِح فِي كَبح هَذا الطَّبع!!
ومُنذ مِئات السِّنين قَال شَاعر عَربي "صَريح" مُعترفاً بذنبه:
مُنِعْتُ شَيئاً فَأكْثَرْتُ الولُوع بِهِ
أَحَبُ شَيء إلى الإنسَان مَا مُنعا
والعَوام تَقول في أمثالها: "كُلّ مَمنُوع مَرغُوب"، ويَقول غيرهم: "كُلّ مَحجُوب مَرغُوب"!!
ومِن قَبل هَذا وذَاك.. قَال صَريح آخر:
رَأيتُ النَّفسَ تَكْرَهُ مَا لَديها
وتَطلُبُ كُلَّ مُمتنعٍ عَليها !
وحَتى لا يَظنّ ظَان أنَّ العَاهَة عَربيّة، فإن الإنجليز صَاغُوا فِي أمثَالهم مَا يُشبه مَقولات العَرب، ومِن ذَلك قَولهم: (Forbidden Fruit is Sweetest)، وتَعني الفَاكِهَة المُحرَّمة هي الأحلَى.. كَما أنَّهم يَقولون فِي مَوضع آخر: (Stolen Waters are Sweet)، وتَعني أنَّ المياه المَسرُوقَة حلوة!!
في النَّهاية.. مَاذا بَقي ؟!..
بَقي القَول إنَّه مِن حُسن إسلام المَرء.. تَركه مَا لا يَعنيه!!.

أحمد عبدالرحمن العرفج
A

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!