الكُتَّاب الهُدْهُديون ..!
سَبق
وأنْ تَطرَّق القَلَم إلى مَفهوم "المَقَال الجَمَاعِي"، وَلقد تَهافتت
الأسئلة، كَما يَتهافت النَّحل على الأزهَار، طَالبين شَرح المَقصود بالمُصطلح
المَعقود!!
لِذَا
أقول بَعد أن أسأل الله – جلَّ وَعزّ – أن يَحفظ المُتلقِّي من الذَّلل، وأن
يَرعاه من دَوائر المَلل، ويَحرسه من مُوجبات الخَطأ والخَلل!!
المَقَال
الجَماعي إنتَاج فِكري، يُعتبر امتداداً لِمَا يَعيشه العَالم من تَدَاعيات
العَولَمة ومُستلزمات الكَوكبة الشَّاملة!!
ولقد
آمَن العَالَم بالمَجموعة الأوروبيّة، وبَارك خَطوتها، وأقرَّ أنَّ الاتحاد قُوة،
وصَدَّق العَالَم أيضاً على التَّكافل، والتزم بأن يَكون كالبُنيان المَرصوص،
وأجمل العِمَارة العَالمية عِندَما تَأتي مُطعَّمة بالفسيفساء المُلوَّنة
والخَرَزَات المُختلفة!!
ومن
شَاء تَأصيل فِكرة المَقال الجَماعي، فعَليه النَّظر فِي كُتُب الفُقهاء وأسانيد
الحَديث، وأخابير التَّفسير ومُصنَّفات الجَاحظ وغَيرها، فكُل هَذه المَنتوجات
العلميّة كُتبت، وقد سَاهم في إنتاجها رِجَال، وإن كَتبها وجَمعها ولَملمها رَجُلٌ
وَاحد!!
المَقال
الجَماعي مِثل حَافلات النَّقل الجَماعي، تَضم الوُجوه المُختلفة، والثَّقافات
المُتعدِّدة والأعراف المُلوَّنة، وكُلّها يُنظّمها خَيطٌ رَفيع مِن الأدب الوَسيع
عَلى الخَط السَّريع!!
إنَّ
كُتَّابنا الأوائل كَان الوَاحد مِنهم إذَا هَمَّ بالكِتَابة عن شيء، قَرأ عَنه
ثَلاثين صَفحة وعَشرات المَرَاجِع، ليَعرف مَاذا قِيل ومَاذا بَقي لَم يُقَل،
ليَأتي عَلى مَوضوعه مِن أبوَابه الأرْبَع، ويُدرك أنَّ الأمانة العِلميّة
والشَّهامة الأدبيَّة تَقتضي أن يُوضِّح لأهل الحَق حُقوقهم، وأصحَاب الأفكار
أفكَارهم!!
إنَّني
أتعجَّب من كَاتِب يَبدأ مَقاله ويَختمه دُون أن يَذكر شَاهداً أو دَليلاً أو
مَقولة أو فِكرة تُشاطر فِكرته، وهَذا هو الخَلل، فأي مَوضوع يُطرح لابد أن يَكون
له أساس أو شَاهد، عَلِمه من عَلِمه، وجَهله من جَهله!!
إنَّ
تَعضيد الكَاتب رَأيه برَأي غَيره، لَهو مِن مُقومات قُوّته، ورَباطة جَأش فِكرته،
وعُمق أصالته، ومَتى كَان المَقال خَاليًّا من الشَّواهد، فَهذا دَليل على سَطحيّة
الكَاتب، وضَحالة فِكره، وأنيميا وفَقر دَم قِراءته، ثُم إنَّ عَدم عِلم الكَاتب
بالأفكار السَّابقة والشَّواهد المُماثلة مُشكلة تَخصه، كَما أنَّ الجَهل
بالمَعلومة لا يَعني عَدم وُجودها!!
فِي
النَّهاية.. مَاذا بَقي ؟!!
بَقي
القَول.. يَا قَوم.. كُونوا كُتَّاباً هُدْهُديين.. فالهُدْهُد عِندَما أرَاد
إحاطة سُليمان عَليه السَّلام بحَال أهل سَبأ، سَافر إلى هُناك واطّلَع على
الأمُور، وجَاء سُليمان وكُلّه فَرح قَائلا: (وجئتُ مِن سَبأٍ بِنَبأٍ يَقين)!!.
أحمد عبدالرحمن
العرفج
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق