الخميس، 5 ديسمبر 2019

العَجيب في العَلاقة بين الكَاتِب والرَّقيب ..!


العَجيب في العَلاقة بين الكَاتِب والرَّقيب ..!

أجلسُ كَثيراً مع أحبابي وأصدقائي الكُتَّاب، فأُلاحظ تَذمُّراً مِن هذا الكَاتِب أو ذَاك؛ حين يُمنع له مَقالاً مِن النَّشر، أو يطرأ عليه تعديل، أو يُحذف منه شيء..!
هذه الشَّكوى المستمرَّة فَتحت لي مجالاً للتَّداول، أو طريقاً للنِّقاش، لمعرفة ما إذا كان القصور مِن الكَاتِب الحبيب أم مِن الرَّقيب الحسيب..؟!
لستُ صحفيًّا -وإن مَارستُ الصَّحافة ردحاً مِن الزَّمن- ولستُ مُنظِّراً -وإن كُنتُ أُحب التَّنظير بَعيداً عن مطبخ المقال-، ولكنَّني حَفظتُ شيئاً مِن شيخي "عبدالعزيز الخضر"، حين أهدَاني حِكمة ذهبيّة بقوله: إذا مَنَعَتْ الصَّحيفة مقالاً مِن النَّشر، فإنَّ ذلك يَدل على ضعف الكَاتِب..!
حَسناً لنُخصِّص العام.. اشتكى إليَّ كَاتِب كريم قَائلاً: تصوَّر يا أحمد، إنَّني كُلَّما أرسلت أربعة مقالات لصَحيفتي؛ نَشروا واحداً واعتذروا عن نشر البقيّة، فمَا رَأيك..؟!
قُلتُ له على الفور: أنت مِثل لاعب كبير مَوهوب بحجم "محمد نور"، ولكن بين كُلِّ مُباراة وأُخرى تحصل على "كارت أحمر"..!
فقَال لي أوضح ما تَرمي إليه مِن فضلك..!
قُلتُ له: إنَّ فهم الخطوط العامَّة للدَّولة، وإدراك شَبكات الفهم لدى القُرَّاء، ومَعرفة خَط الصَّحيفة ونَفَسِها، جُزء مِن مَهارات الكِتَابة، مِثلما أنَّ سيطرة اللاعب عَلى انفعالاته، وإلمامه بقَانون وأنظمة رياضة كُرَة القَدم؛ جُزء لا يَتجزَّأ مِن بَراعة اللاعب، واحترامه لقَرارات الحَكم، مَهما كان تَقديره خاطئاً، الأمر الذي يجعلني ألقي باللائمة عَلى الكَاتِب حين يخفق في تَمرير مقال، أو نَشر فِكرة، فمِن السّهولة أن يكتب الكَاتِب مَقالاً كُلّه صراخ وهجاء وشتم، لتَجد الصَّحيفة نفسها مُضطرَّة للاعتذار عن نَشره، ولكن المَنع –هنا- ليس لخطورة المَقال وذَكاء فِكرته، بل لسَخافته، وغَباء كَاتِبه الذي لا يَعرف عن الموضوعيَّة إلا ما يَسمعه في "المَقهى"، مِن أشخاصٍ غير مَوضوعيين، فالبراعة ليست في قلّة الأدب والتَّبجُّح، وليست في الوقوف أمام الحَاجِز، بل البراعة كُلّ البراعة في التَّمايل مَع الرِّيح، وفق حركة الأغصَان، والتَّماهي مع ذَات السيمفونيّة التي يُطرب لَها الرَّقيب، فهو ليس كَائناً فضائيًّا، وهو يَنال نَصيبه مِن التَّطوُّر والمُواكبة أيضاً، ولا يَستطيع كَاتِب أن يَزعم أنَّه لا يلمس تَحديث معايير الرِّقابة؛ بشكلٍ دَوري في الصَّحافة، إلَّا إذا كان ممَّن يَتجاهلون الحقائق عَمداً..!
ويبدو أنَّ بَعض الكُتَّاب يُحاولون افتعال أهمية لأنفسهم، مِن خلال تَعمُّد استفزاز الرَّقيب، واختبار صَرامته بمَقالات تُسيء لسُمعة الصَّحافة بتَفاهتها، فتجد أحدهم يجلس في المساء مع أصدقائه قائلاً: تَصوَّروا أنَّ الصَّحيفة مَنعت مقالي.. رغم أنَّ هذا الكَاتِب يُدرك –جيّداً- أنَّ فوائد مَقاله لا تختلف عن الفوائد التي يَستمدّها مِن "لَي الشِّيشة" الذي يَحشره في فَمه..!
حَسناً.. مَاذا بَقي..؟!
بَقي القَول: إنَّ العَجز عن تمرير الفِكرة، هو قصور في بَنك اللغة، فالأمر -في أبسط صوره- مِثل التَّاجر الذي كُلَّما كان يملك مِن السيولة الكثير، كُلَّما كان يَستطيع الشِّراء، والكَاتِب كالتَّاجِر كُلَّما كان مَخزونه وثَراءه اللغوي كبيراً، كُلَّما استطاع أن يُمرِّر الفِكرة، حتَّى لو كانت مُستحيلة المرور، صَعبة الظّهور، عصيّة على العبور..!.

أحمد عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!