الخميس، 5 ديسمبر 2019

الهَفْوَة فِي تَحْرِيم الشَّاي وَالقَهْوَة ..!! (1)


الهَفْوَة فِي تَحْرِيم الشَّاي وَالقَهْوَة ..!! (1)

الشَّاي والقَهوة.. هَذان المَشْرُوبان اللذان ما اجتمع سعوديَّان إلَّا كَانتا ثَالثهما، لم يَصلا إلينا عَبر مَمر آمِن خَالٍ مِن التَّحريم وعارٍ مِن التَّنغيم، وإليكم الحِكَاية التي أصبحت فيما بعد رِوايَة بَطَلاها الشَّاي وَالقَهوة وشُربهما بِمَا فيه الكِفَاية.
فِي القَرن العَاشِر من الهجرة.. شَهدت القَاهرة ومَكَّة حملة دينيَّة شَرسة لتَحريم شُرب القهوة باعتبارها حَرام!! وقالوا فيها: "إنَّ شَارِبها يُحشر يَوم القِيَامة ووجهه أسود من قُعور أَوانيها"!!
كَانت القَهوة في بِدَاية العلم بها.. على يد يَمني يُدعى الذَّبحاني، كان يعمل كَاتباً للفَتاوى الدينيَّة في اليَمن.. وقَد سَافر في مُهمة من عَدن إلى بِلاد العَجم، ونَقلها مَعه إلى اليَمن لِمَا وَجده فِيهَا مِن خَواص الذّهاب بالنّعاس والكَسل، وإِكسَاب البَدن خِفَّة ونَشاطاً.. ولأنَّ الذَّبحاني كان من أتباع الصُّوفيَّة، فقد استخدم القَهوة مع زُملائه حتى تُعينهم على ذِكر الله.. ثُم انتشرت مِنهم إلى سَائر النَّاس.. حتى وصلت إلى رواق اليَمنيين بالجامع الأزهر بمصر، حيث كانوا يَشربونها بداخل الرّواق في حلقات الذِّكر كُل ليلة اثنين وجُمعة، حين تُوضع القهوة في مَاجور كبير من الفُخَّار الأحمر، يأخذ منه النَّقيب ويَسقيهم الأيمن فالأيمن، فتُذهب النّعاس حتى يُصلُّوا الصُّبح مع الجَماعة!
ومن رواق اليَمنيين بالجامع الأزهر، شقَّت القَهوة طريقها إلى كُل الأنحاء حتى وصلت إلى مكَّة المُكرَّمة، وشُرِبَت بداخل المَسجد الحَرام.. حتى كان العام 917هـ حينما جَاء إلى مكَّة رَجُلين من العَجم قَادمين من مصر في أواخر دولة الغُوري.. ادَّعيا عِلماً بالفقه والطِّب، وأدخلا على الأمير خاير بك - محتسب مكَّة – (القائم بأعمالها) تَحريم القَهوة حتى كَتب إلى السُّلطان في مصر، يطلب مَرسوماً سُلطانيًّا بذلك.. ولم ينتظر رد السُّلطان فأرسل مُناديًّا في الأسواق بقرار التَّحريم.. ثُم هَاجم أحد البيوت بَعدما بَلغه أنَّ صاحب المَنزل يَحتسي القَهوة، وقَام بِجَلده والطَّواف به في الأسواق.. لكنّ رد السُّلطان جاء من مصر بعد عام بإباحة شُرب القهوة.. فعَاد النَّاس لشُربها، وأطلقوا النّكات في صورة أبيات شعر على المحتسب وشلَّته!!
وجاء السُّلطان المظفّر سليم شاه من مصر إلى مكَّة وقَتل الأعجمين.. بعد أن بَلغه أنَّهما يتقوَّلان على الله كَذبا!!
الغَريب.. أنَّه بعد مُرور جِيل كَامل على هذه الوَاقعة.. عَاد تحريم القهوة من جديد ولكنّ هذه المرَّة من داخل الجَامع الأزهر، حيث أفتى العلَّامة السُّنباطى بحُرمة شُرب القَهوة، لما يترتب عليها من مَفاسد وأنَّها مُسكرة!! كان ذلك في عام 941هـ/ 1541م حيث خَرج النَّاس من الجامع إلى بيوتهم، وكسروا أوانيها، وضربوا بعد ذلك من رأوه يتناولها في الأسواق، وكادت تَحدث فِتْنَة بسبب القَهوة، لولا تَدخّل قاضى مصر الشَّيخ محمد بن إلياس الحنفي، الذي أمر بصُنعها في منزله في حُضور جَمْع من العُلماء، واختبر تَأثيرها وأقرّ شُربها!!
لكنّ مُشكلة القَهوة لم تَنتهِ عند هذا الحدّ.. وظلَّت سنين طَويلة بعد ذَلك محل جَدل وخِلاف، ومصدر مَشاكل في القاهرة ومكَّة، وذهب البعض في تفسير ذلك إلى ارتباطها بمجالس المُناقشات السياسيَّة.. ورُبَّما لازالت آثَارها بَاقية حتى الآن في الرِّيف المَصري، حيث تَرى بعض الأُسر المُحافظة أنَّه ممَّا يَتنافى مع الاحترام الوَاجب أن يَشرب الابن القَهوة أمام أبيه!!
* وللاستزادة من هذا الأمر يُمكن الرُّجوع إلى الكُتب التَّالية:
- سلامة مُوسى - حُريَّة الفكر - الهيئة المصرية العَامة للكِتَاب.
- هَديل غُنيم - التَّفسير القَهوجي للتَّاريخ - مجلة وجهات نظر - العدد 49.
- ستيوارت لي الين - القَهوة القُوة المُحرِّكَة في التَّاريخ.
أحمد عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!