الخميس، 5 ديسمبر 2019

يَقول العُرف: أكلَاتنا تَدلُّ عَلى العُنف ..!


يَقول العُرف: أكلَاتنا تَدلُّ عَلى العُنف ..!

يُقال: إنَّ أقرَب طَريق لقَلبِ الرَّجُل هو معدَته، ومَا ذَاك إلَّا لمَكانة الطَّعام في النّفوس، ولهَذا عِندما امتنَّ الله عَلى عِباده قَال: (الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ)، مِن هُنا يَبدو الطَّعام رُكناً أساسيًّا في حَياتنا اليوميّة..!
إذا قَرَّرنا هَذه القَاعدة، فإنَّ عَلينا أن نُقرِّر أنَّ الطَّعام أكلَاتٌ ومَوائد، وسُفْرَاتٌ ومُسمّيات، فكُلّ اسم يُشير إلى مُسمَّى، وقَديماً صَرَّح شيخنا الفيلسوف "عبدالرحمن المعمّر" بأنَّه سيُصدر كِتَاباً اسمه: "قَاموس أكلاتنا التي تَدلُّ عَلى العُنف"، ولا أدري مَا مَصير هَذا الكِتَاب..!
ولكن ألا تُلاحظون أنَّ مُسمّيات الأكل عندنا، تَدلُّ عَلى شَيءٍ مِن العُنف والضَّرب، والخَبط والشَّر.. خُذ مَثلاً: في جَانب المَوائِد النَّجديّة تَجد كَلِمَة "قرصان"، ومَا تَدلُّ عَليه مِن قَرصنة وقَرص، وتَقريص ومُقارصَة، وخُذ أيضاً كَلِمَة "جريش" مِن الجرش والتَّجريش والمُجارَشة..!
خُذ أيضاً كَلِمَة "كَبسة"، ومَا تَعني مِن الكَبس والمُكابسة، ولا زلتُ أتذكَّر أحدهم عِندَما قَال: إنَّ أصدقَائي كَبَسَت عَليهم الهَيئة أو الدّوريّة أو الجَوازات.. إلخ، وفي الجَانب الآخر، خُذ أسمَاء مَوائد أهل الحجَاز، ستَجد كَلِمَة "مطبق"، ومَا تَدلُّ عَليه مِن انطبَاق وتَطبيق، وليسَ المِنَح طَبعاً، وتَذكَّر قَولنا: (لَو طُبِقَت السَّماء عَلى الأرض لن أترك تَشجيع الاتّحاد)..!
وكَلِمَة "هَريسة" أيضاً، ومَا تَعني مِن الهَرس والدَّهس، والمُهارسة والطَّحن والسَّحق، خَاصَّة وأنَّ هُناك مَن يُنادي –هذه الأيَّام- بهَرس المُتظاهرين وسَحقهم..!
ولكَ أن تَتخيّل مُفردة مِثل "معصوب"، مِن العَصب والضَّغط، ومُفردة مِثل "عصيدة"، ومَا لَها مِن فَخامة عدوانيّة وبَراعة عُنفيّة..!
وإذا تَجاوزنا هَذه المُفردات، سنَجد كَلِمَات عَربيّة، تَدلُّ أيضا عَلى العدوَان والإجرَام، مِثل "مقلوبة"، ومَا فِيها مِن الإقلَاب والانقِلَاب والتَّقلُّب، ومُفردة "صَقَع"، ومَا فِيها مِن الصّقع والرَّقع، والرَّمي والدَّفع، وإن نَسيتُ فلن أنسَى المَشوي عَلى الصَّاج، والأوصَال والتَّقاطِيع والشَّرائِح، كَفَانا الله وإيَّاكم شَرّ التَّقطيع والتَّشريح..!
حَسناً.. مَاذا بَقي..؟!
بَقي القَول: إنَّ تَداول هَذه المُفردَات يُخبئ وَرائه كميّات كَبيرة مِن شُحنات العُنف والعدوان، ومِن الغَريب أنَّنا لَم نَستفد مِن هَذه المُسمّيات في حَياتنا ومُمارساتنا، فنَحنُ مَثلاً نُحبُّ تَخليط الأكل وخَلطه، وكَذلك المَخلوط مِنه، ولَكن عِندما نَصل إلى هَذه المُفردة، وتَطبيقها عَلى السياق الاجتماعي، مِثل الاختلاط بين النَّاس، نَرفض هَذه المُفردة، ونُقاتل مِن أجل إبعَادها عن سياقها الاجتماعي، ومَفهومها الحَالي..!.

أحمد عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!