الأربعاء، 4 ديسمبر 2019

جُدَّة للتَّقبيل ..!


جُدَّة للتَّقبيل ..!

في عالم حراج السيّارات، -وقد كُنتُ أحد مُتعاطي هذه المهنة، مهنة التَّحريج- كانت أي سيّارة تأتي جديدة؛ يتناقص سعرها تدريجيًّا، حتَّى يصل السَّعر إلى درجة يستقرّ عليها ولا يتزحزح، ولو فرضنا أنَّ السيّارة بـ(60) ألف ريال، يتناقص هذا السّعر سنة بعد أخرى، حتى يصل إلى سقف (10) آلاف ريال مثلاً، ثم يثبت على هذا.. هذه الفكرة جعلتني أتخيّل، ماذا لو سوّرنا جُدَّة كُلّها بسور، -قبل المطر طبعاً-، وقمنا بالتَّحريج عليها في مزاد علني يشمل: بيع أراضي جُدَّة، ومطارها وميناءها، ومبانيها الرَّسميّة، ومنشآتها الحكوميّة.. إلى آخره؟!
ماذا لو أحطناها برباط، ثم عرضناها للتَّقبيل، -وبالتأكيد قبل المطر-؟!، تُرى كم تُساوي؛ إذا استحضرنا نظريّة بيع السيّارات المذكورة أعلاه؟!
قبل الدّخول في السّعر؛ الذي أتركه لمزاج القارئ، يجب أن أُقرِّر نقطتين:
النّقطة الأولى: إنَّ الإنسان لا يُمكن أن يبيع وطنه، ولكنَّه يتألَّم لِمَا يحدث له، نعم لن يبيع وطنه، ولو كانت مُدن هذا الوطن تمنحه الهلاك والموت!
النقطة الثَّانية: إنَّ سعر مدينة جُدَّة -بضم الجيم-؛ يختلف إذا نظرنا إليه مِن زاوية ما صُرف عليها، لأنَّها في هذه الحالة تُساوي ملايين الملايين، ولكن إذا نظرنا إليها مِن منظور مخرجات هذا الصَّرف، وتنفيذه على أرض الواقع، سنجد أنَّها لا تعوّض واحد بالمئة ممَّا أُنفق عليها، والأرقام بين أيدينا، خاصَّة أنَّها لا تكذب ولا تتجمَّل، ولن نصل بحالٍ مِن الأحوال؛ إلى نظريّة ثمن السيّارة في حراج السيّارات، التي تستقر عند قاع معين، (هذا التَّفاوض كُلّه قبل المطر، لأنَّ جُدَّة بعد المطر أصبحت مدينة مُخيفة، يهرب منها النَّاس، لأنَّ مَن نَجا مِن الغَرق في السّيل، لن يهرب مِن تخوّفات انفجار بحيرة المسك، ومَن ينجو مِن انفجار بحيرة المسك، -لا قدر الله- فلن يهرب مِن الأوبئة، التي تأتي بعد الانفجار، مِن أمثال: السيّد الضّنك، والسيّد المتصدّع، والسيّدة الملاريا)!
كُلّ هذا الألم الذي اعتصر قلوبنا على جُدَّة، كان ألماً شديداً غير مُفيد، ولكن هناك ألم مُفيد، وفعَّال، ألا وهو ألم والدنا المحبوب، ومليكنا الصَّالح "عبدالله بن عبدالعزيز"، الذي غضب فهزّ بقراراته الجهات والإدارات، وأمر بمحاسبة كُلّ مَن قصَّر؛ في حمل المسؤوليّات، أو خان الأمانات!
إنَّ الملك "عبدالله" –يحفظه الله- وفق نظرته الإداريّة الشَّاملة، أمر بالنَّظر إلى الفساد بوصفه سلسلة ممتدَّة، لأنَّ ما حصل بالأمس، كان بسبب أخطاء ما قبل الأمس، وما أُنجز قبل أمس، كان مُرتكزاً على فساد مِن عشرات السّنين.. وهكذا!
وقبل أيّام.. عاتبت هذه الزاوية كُلّ مَن يُلقي اللوم على شخص بعينه، أو إدارة بعينها، لأنَّ الفساد سلسلة متواصلة، وها هو ملك الإنسانيّة يُصدر قراره الكريم، بمحاسبة كُلّ مَن تسبَّب في هذه المأساة، في السَّابِق واللاحِق، وتشمل المُحاسبة العهد الحالي، بقدر ما يكون في العهد الخالي، لأنَّ بناء المدن عمل تراكمي، بعضه مبني على بعض، وبمثل هذه المحاسبة، يُمكن مُحاصرة الفساد، وتتبّع دروبه، حتى نصل إلى أربابه وأصحابه ونقدّمهم للعدالة!
في النَّهاية.. ماذا بقى..؟!
بقي القول: إنَّ الأمل معقود على هذه اللجنة؛ التي ستتولَّى تقصِّي الحقائق، ورفع نتائجها إلى ولي الأمر، الذي منحهم -حفظه الله- كُلّ الصَّلاحيّات والإجراءات، لمُساءلة مَن تسبَّب في وقوع الخَلَل، ومُحاسبة مَن جعلنا نبكي موتانا، الذين داهمهم الأجل!.

أحمد عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!