النَّقد كالزَّوَاج
..!
هُناك
حَقائق في الكَون -رغم وضوحها- تُخفى، وما هذا إلَّا بسبب سطوعها وشروقها، مثل
ذلكم السّرور الذي يَهجم على المَرء، ولكن مِن شدَّتهِ قد يَقتل صاحبه.. وهكذا ما
زاد عَن حدّه انقلب إلى ضدّه!
ومِن
حَقائق الكَون، أنَّ النَّاس يَغضبون منك إذا قُلت الحَق، ويَغضبون –أيضاً- إذا قُلت
"غير الحَق"، لذا فأنتَ في كلتا الحالتين مَغضوبٌ عليك، وقد أوصانا
شيخنا "أبوسفيان العاصي"؛ بأنَّ المرء في مِثل هذه الحالة، يجب أن يَقول
"الحَق"، طالما أنَّه يَخسر في الحالتين، لأنَّه عندما يقول الحَق سيَكسب
"ذاته".. وهذا يَكفي؛ وكَفى به مِن مَكسب!
حسناً..
لنأخذ أمثلة على مِثل هذه الحالة وأشباهها..
يَروي
جدّي –عليه شآبيب الرَّحمة-، أنَّ أحدهم جاءه طالباً "سُلفة ماليّة"..
فقال له جدّي الحكيم: (شُوف يا وَلدي.. إذا سَلّفتك مالاً، فسوف تُماطلني في ردّه،
وسنَغضب مِنك وتَغضب مِنّا، وإذا لم نسلّفك ستَغضب –أيضاً-، ومِن الأفضل أن تَغضب
وفلوسنا عندنا، أفضل مِن أن تَغضب وفلوسنا عندك).. آه.. يا للحكمة!
قصّة
أخرى.. ذات مُقابلة سأل أحدهم الكَاتِب الصَّحفي الشُّجاع؛ "ناصر الدين
النشاشيبي"، الذي كان يرأس تَحرير جريدة الجمهوريّة المصريّة –وهو فلسطيني
الجنسيّة-، سُئل السُّؤال التَّالي: (لماذا لا تُحاول أن تَعيش في بلدٍ ما؛ مِن
بلدان الشَّرق الأوسط، بدلاً مِن أن تَعيش في جنيف، أو لندن أو باريس؟!)، وكان
جوابه يفيض بالحكمة، حيث قال: (بَعد القُدس أنا غَريب، وما دمتُ أدفع ثَمن الضّياع
والغُربة، فلماذا لا أُحاول أن أكسب "مزية الحُرّية"؟.. جنيف بَلدٌ حُرّ،
وكذلك لندن.. يا صديقي الحُرّية للصَّحفي كالمَاء للسَّمكة، وكالهَوَاء للبَشر!
وقصَّة
ثالثة.. دائماً يَسأل القلم النَّحيل، لماذا الهجوم على النَّاس، ولماذا تغضب
الوجوه التي تكتب عنها..؟! وكان الجواب دائماً لا يَتغيّر، المُتمثِّل في التَّالي:
أصدقائي الحقيقيّون لا يَغضبون مِن النَّقد، بالعكس هم يستفيدون منه.. أما أولئك
"المُزيّفون"؛ فليذهبوا كما ذهب الحِمار بأم عمرو، فلا رجعت ولا رجع الحِمار!
كما
أنَّ البشر في النّهاية مُعادلة صَعبة، عَجز عن تفكيكها شيخنا الكبير
"أنشتاين"، ورضاهم غاية لا تُدرك.. وطالما أنَّ الكَاتب قد رَضي عن نفسه
فهذا يَكفي.. وكما قال جدّي: (كون النَّاس يَغضبون منِّي وأنا راضٍ عن نفسي أفضل
-بألف مرَّة- من أن يَغضبون وأنا غَاضب على نَفسي)!
يا
قوم.. يقول المسيح -عليه السَّلام-، ماذا يَستفيد المرء عندما يَكسب النَّاس ويَخسر
ذاته..؟!، فهل مِن سَامعٍ أو شَاهدٍ أو مِن وَاعٍ..؟!
ولا
تنسوا أنَّ الكِتَابة النَّقديّة مِثل الزَّواج، مَن فعله ومَن لم يَفعله؛ كِلاهما
يَعيشون في دَائرة النَّدم!.
أحمد
عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق