الحبر الأصفر
التناصح بفضائل
التسامح
تَطبِيعُ العَلَاقَة بَين المُتحَاربين
يَبدَأ بهُدنَة، ويَنتَهي بالتَّصَالُح، إلَّا أَنَّ الجِرَاح لَا تَخمدُ تَحت الرَّمَاد،
حَتَّى تَعود المِيَاه إلَى مَجَاريهَا بَين الطَّرفين، لَكنَّ التَّسَامُح أَمراً
استَراتيجيًّا بَعيدُ المَدَى، فِي حَين أَنَّ حَبْل التَّصَالُح قَصير، ويُمكن قَطعه
بمُجرَّد نشُوب شِجَار؛ بَين طِفلَين مِن الضَّفَّتين، عَلَى لعبَة مِن القُمَاش
البَالِي، لِذَلك تَمعَّنُوا جَيَّداً فِي السّطُورِ الآتِيَات، فرُبَّما تُحفِّز
لَديكم فِكرَة كَانَت مِن المَنسيَّات..!
فقَد كَتَبتُ -قَبل حَوَالي 15 عَامًا-
مَقَالاً فِي صَحيفة الاقتصَاديَّة، بعنوَان: "لَا للتَّسَامُح"، بَيَّنتُ
فِيهِ؛ أَنَّ الفَرْق بَين التَّسَامُح والتَّعَايُش، هو أَنَّ التَّسَامُح يَعنِي
تَأجيل الضَّغَائِن، واحتفَاظ كُلّ طَرف بحِقدهِ عَلَى خصمهِ. فِي حِين أَنَّ التَّعَايُش
يَعنِي الإيمَان بالاختلَاف، والتَّسليم بحَقِّ تَنوُّع العَقَائِد، واحترَام كُلّ
طَرَف لعَادَات وتَقَاليد الطَّرَف الآخَر، وذَلك سَبب مَيلي إلَى مَفهوم التَّعَايش؛
أَكثَر مِن مَفهوم التَّسَامُح.. وقَبْل أَيَّام اكتَشفتُ أَنَّ الزَّعيم الهِندي "غاندي"؛
يُوافقنِي الرَّأي -عَلَى مَضَضٍ- حَيثُ يَقول: (لَا أُحبّ كَلِمَة التَّسَامُح، لَكنَّني
لَا أَجد أَفضَل مِنهَا)..!
فإذَا وَجَّهتَ إسَاءَة إلَى شَخصٍ
مَا، ولَم يُبَادلك الإسَاءَة بمِثلهَا، فلَا يَعني ذَلِك أنَّك فِي مَأمنٍ تَام مِن
بَطشِهِ، وإذَا لَم تُصدّقني، فاستَمع –عَلَى الأَقَل- لنَصيحة الفَيلسوف
"برنارد شو" التي يَقول فِيهَا: (احذَر مِن الشَّخص الذي لَا يَنتَقم مِنك،
فهو لَم يُسَامحك، ولَم يَسمَح لَكَ بأَنْ تُسَامِح نَفسك)..!
والتَّسَامُح فَضيلَة عِند
العُقلَاء، كَمَا يُؤكِّد ذَلك أَكثَر الفَلَاسِفَة والأُدبَاء، لَكن الأَديب
"توماس بين" -سَامحه الله- قَلب الطَاولَة فِي وجُوه الجَميع، حِينَ
صَرخَ قَائِلاً: (لَيس التَّسَامُح عَكس التَّعصُّب، بَل هو تَلفيق لَه، وكِلَاهُمَا
تَحكُّم واستبدَاد)..!
ولَو افتَرضنَا أَنَّ التَّهَادِي
بالتَّسَامُح مُحبَّباً، فهَل ستَكون تِلك الهديَّة مُكلِّفَة؟.. تُجيب الأَديبَة
"بتي سميث" عَلَى هَذا السُّؤَال بقَولهَا: (التَّسَامُح هديَّة غَاليَة،
رَغم أنَّها لَا تُكلِّف شَيئاً)..!
أَكثَر مِن ذَلك، يَتَّفقُ كَثيرٌ
مِن الفَلَاسِفَة والأُدبَاء؛ عَلَى حَتميّة التَّسَامُح مَع العَدو، مَهمَا كَانَت
التَّنَازُلَات مُؤلِمَة، لَكن الرَّئيس الأَمريكي الأَسبَق "جون
كينيدي"؛ وَضَع شَرطاً للتَّسَامُح، حَيثُ يَقول: (سَامح أَعدَائك، ولَكن لَا
تَنسَ أَسمَائهم)..!
ويَزعم أَطرَاف الصِّرَاعَات -دَائِماً-
أَنَّهم أَفضَل مِن خصُومِهم، لَكن الفَيلسوف الإنجلِيزِي "فرانسيس
بيكون"؛ يَرَى أَنَّ الأَفضليَّة؛ لَا تُقَاس بكَسب الحرُوب، بَل تُقَاس بحَجم
تَنَازُل كُلّ طَرفٍ لخصمهِ، حَيثُ يَقول: (عِندَما يَأخذ المَرء بثَأره، يَتسَاوَى
مَع عَدوّه، لَكنَّه حِينَ يُسَامحه يَكون أَفضَل مِنه)..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي القَول: حَيَّرني شَيخي
-أبوسفيان العاصي- فِي تَعريفَاته المُتضَارِبَة للتَّسَامُح، وحِينَ سَألته عَن
المَغزَى مِن ذَلك، قَال: (اعلَم -يَا بُني- أَنَّ التَّسَامُح لَيس مَحمُوداً دَائِماً،
فمَنحه لمَن يَتطَاول عَلى حدُودِك الآمِنَة، مِثل الحُوثيين، يُشبه فَتح إشَارَة
خَضرَاء، تُعطي أَولويَّة المرُور لمَن لَا يَستَحقّها)..!!
أحمد عبدالرحمن
العرفج
T: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق