الوَقَاحَة والجُرْأة في التَّكسُّب مِن سوق المَرأة ..!
مِن فَرائد وطَرائف مُجتمعنا
-الذي لا يُشبه أي مُجتمع آخَر في العَالَم- أنَّك تَجد لكُلِّ مَسألة تَفسيرات مُختلفة،
وتَعريفات مُتباينة، لَيس مِن بَاب السِّعَة التي تُثري المَفهوم بمَعاني أُخرى،
ولا مِن بَاب اختلَاف التَّنوُّع الحَميد، بَل مِن زقَاق اختلَاف التَّضاد الحَاد،
الذي يَعشق الاختنَاق المرُوري، ولا يَزدهر إلَّا في بيئةِ المُغالطَات، التي لا
يُقبل فِيها رَأي إلَّا إذَا كَان يَلعن مَا سوَاه..!
حَسناً.. إذَا أردنَا أن نَضرب
المثَال بصُورةِ المَرأة لَدينا، فلابد أن نُقرِّب البَعيد قَبل أن نَنظر إلى
الأبعَد، في مُحاولة لاختزَال النَّظرة إلى المَرأة في سَاحة المُجتمع الثَّقافيّة
أو الدِّينيّة أو الإعلاميّة..!
فمَن يَعتبرون أنفُسهم أكثَر
تَديّنا مِن غَيرهم في المُجتمع؛ مَنحوا المَرأة ثَلاث فُرص –فَقط- للخرُوج، الأُولَى
حِين تَخرج مِن بَطن أُمِّها إلى الدُّنيا، والثَّانية حِين تَخرج مِن بَيت أبيهَا
إلى بَيت زَوجها، والثَّالثة حِين تَخرج مِن بَيت زَوجها إلى قَبرها، وحِين تَسأل
أحدهم عَن المَرأة يَقول: إنَّها جَوهرة مَكنونة يَجب الحفَاظ عَليها بَعيداً عَن
عَبث العَابثين، ثُمَّ يردف قَائلاً: "لقَد شَرَّف الإسلَام المَرأة"،
وهَذه العبَارة الأخيرَة تُستخدم في كُلِّ مَوضع، ولَو قُلتَ لَه: أعرف أنَّ
الإسلام شَرَّفها، لَكن مَوضوعنا لَيس عَن نَظرة الإسلَام لَها، بَل عَن فَهمك أنتَ
الضيّق للإسلَام، وتَضييقك عَلى المَرأة الذي لا يَمت للإسلَام بصلَة، عِندهَا سيُمطرك
بتُهم جَاهزة مِن قبيل: التَّغريب والدَّعوة إلى الانحلَال وسفُور المَرأة..!
أمَّا الذين يُنافحون عَن قَضايَا
المَرأة، ويُصدِّعون رُؤوسنا لَيلاً ونَهاراً، ويُطالبون بحُريّةِ عَملها وقيَادتها
للسيّارة، فهُم لا يُؤمنون باستقلَالها، بَل يَستغلّونها أبشَع استغلَال، فهي
بالنسبَة لَهم أفضَل وقود لإذكَاء مَعاركهم الجَانبيّة مَع خصُومهم المُتحجّرين،
ولَو اغترّت سيّدة مَا بشَعارَاتهم، ولاذَت بِهم، مُحاولة التَّعبير عَن نَفسها بَينهم،
ستَكتشف أنَّهم نَصّبوا أنفُسهم وُكلاء عَنها في الأرض، وأنَّهم لا يَسمحون لَها
بالتَّحدُّث عَن نَفسها، لذَا فهُم في النّهاية يُنفّذون بروتوكولاً يُفهم ولا
يُقال مَع خصُومهم، يُلزم الطَّرفين بإبقَاء الأمور عَلى مَا هي عَليه؛ لمَصلحة
الفَريقين..!
وهُناك صنفٌ ثَالث قَد يَكون
الأخطَر، لأنَّه يَتمثّل في المَرأة نَفسها، بمَا أنَّ مَن يَقمعها مِن بَنات جنسَها
أكثَر ممَّن يَقمعها مِن الرِّجال، ولا مَفر مِن تَجاهُل هَذا المَطبّ، إنْ أردنَا
أنْ نَسأل فَقط: أين قَضايا المَرأة الحَقيقيّة..؟!
إنَّ تَغييب المَرأة لَيس تَعطيلاً
–فَقط- لنصف المُجتمع، كما دَأب عَلى تَرديد ذَلك كَثير مِن المُتاجرين بقضَايَاها،
بَل يَكاد يَكون مُتعمّداً لشَلِّ مُجتمع بأسرهِ، وإذَا نَظرنا إلى المُستفيدين مِن
تَغييبها مِن كِلا الطَّرفين، نَجد شَرائح اجتماعيّة كَبيرة تَستفيد مِن هَذا التَّغييب،
فالسَّائق يقتطع رَاتبه مِن رَاتبها، وكَم مِن سيّدة اشتَكت مِن اقتسَام رَاتبها مَعه
مُناصفةً، إذَا مَا احتسبنَا أُجرة سَكنه وكُلفة إعَاشته..!
وكَم مِن مَحرم لا يَخطو خُطوة
مَعها؛ دون أن يَقبض ثَمنها مُقدَّماً، فإن هي حَرمته المَال حَرمَها الحَركَة،
والحَال يَنطبق عَلى المُعرّف الذي قَد يُحوّلها إلى نَكرة -شَكلاً ومَضموناً- إن
لَم تَعرف أدقّ احتياجَاته، وتَحفظ رَقم حسَابه، لتَضَع فيهِ "المَقسوم"
أوّلاً بأوّل..!
وكَم مِن مُعقِّب أصَابَه
الثَّراء مِن وَراء تَغييب المَرأة، والحَال تَنطبق كَذلك عَلى الكَفيل الذي يَكفلها؛
مُقابل أن تَكفل هي احتياجَاته، إضافةً إلى المُزكّي والوَصي والمُرافق والقيّم
والوَسيط، وغَيرها مِن الفِئَات التي تَقتات عَلى عَجز المَرأة، لنَكتشف في النّهاية
أنَّ المَرأة تُعيل شَرائح كَبيرة مِن المُجتمع، لا غِنَى لَها عَنها، ولا أعتقَد
أنَّ السيّدة "خديجة بنت خويلد" كَانت تَدفع لكُلِّ هَؤلاء لتُنجز أعمَالها..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّ امرأة
الأعمَال تَحديداً تُعاني الأمرّين؛ جَرّاء تَكالب الانتهازيّين حَولها، وتَجد أنَّها
في كَثيرٍ مِن الأحيَان تَتحمّل عِبء البطَالة، لتَشعر في النّهاية أنَّ مُعانَاتها
صَارت سوقاً كَبيرة؛ لاسترزَاق أقوَام أصبَح لَحم أكتَافهم مِن خَيرها، دُون أدنَى
امتنَان..!!!
أحمد
عبدالرحمن العرفج
تويتر:
Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق