أدعيَاء الكِتَابة أصَابوني بالكَآبَة ..!
تَناولتُ في مَقالاتٍ عدَّة
الازدواجيّة التي يُمارسها بَعض الكُتَّاب؛ الذين هَبطت عَليهم الحظوَة في الصُّحف
مِن السَّماء، ولخّصتُ أكثَر مِن مَرَّة مَا رَصدتُه مِن التَّناقضات؛ التي لا يَخجلون
مِن الوقوع فِيها مَرَّة تلو الأُخرَى، حين يَقولون شَيئاً ويَكتبون شَيئاً آخر،
أو يَحرصون في الخَفَاء عَلى تَأييد الكَاتِب الأصيل، وحِين يَجِدُّ الجِدّ
"يَلحسون" كَلامهم المَعسول، ويَأخذون -عَلانيةً- بيَدهم اليُسرى أكثَر
ممَّا تَمنحه يَدهم اليُمنى خِلسَة..!
إنَّ هَؤلاء القَوم يَتنكّرون
لِمَا يَصدر عَنهم مِن آرَاء، خشية ظهُورهم أمَام القُرّاء بمَظهر التَّابعين؛ لمَن
يَفوقهم عِلْماً وفَضلاً، أو خَوفاً مِن كَشفهم عَلى حَقيقتهم ككُتَّاب هَامشيّين،
لا يَشعر القَارئ بوجودهم إلَّا إذَا ارتبَطت مَقالاتهم الكَسيحة بمَقالات كُتَّاب
حَقيقيّين، بَينما هُم في النّهاية مُجرّد مُمثّلين عَلى خَشبة الصَّحافة..!
حَسناً.. لَو أردتُ أن أُضيف
المَزيد، فالهَمّ أكثَر ممَّا أُعيد، ولا حَاجة لاسترسَال غَير مُفيد، فيَضيع وَقت
القَارئ بلا جَديد، حَول أدعيَاء يَزعم كُلّ وَاحد مِنهم أنَّه كَاتِب فَريد، وهو
لا يَستحق –لا مِن قَريب ولا مِن بَعيد- أن يَكون مِن أُولي البَأس الشَّديد، إذ
لا يَنال المَجد التَّليد، مَن كَان دَأبه التَّقليد، واستعَاض عَن اللحم بالقَديد..!
فلَو لَزم هَؤلاء مِحراب
العِلْم، وجَثوا برُكبهم عِند الرَّاسخين فيهِ، لعَلِمُوا أنَّ كِتَابة سَطر وَاحد
قَبل قرَاءة مِئات الكُتب مَضيعة لوَقت القَارئ، وخسَارة لجُهد رُبَّما كَان سيُثْمِر
-لو استُثمر- في صَنعةٍ أُخرى..!
وإن تَجاوزنا –عَلى مَضَض-
هَجر كَثيرٍ مِن الكُتَّاب للقرَاءة، واعتَبرنا احتلَالهم لمسَاحات لا يَستحقّونها
في الصَّحافة قَضاءً وقَدراً، أو جُرماً للوَاسطة التي تَتحايل عَلى كُلِّ الشّروط،
وتَختصر الإجرَاءات، وتَقفز عَلى كُلِّ الأولويّات، لَو سلّمنا بكُلِّ ذَلك، فلمَاذا
لا يَتجرَّأ كَاتِب عَلى الاعترَاف بمَا لَديه مِن قصُور، ليُسخِّر الله لَه مَن يُساعده
عَلى رَدم الهوّة التي في رَأسه..؟!
إنَّ الكَاتِب المُزوّر لَيس
عِبئاً عَلى نَفسه فَقط، ولا عَلى صَحيفته أو مجلّته فَقط، بَل عَلى القَارئ وعَلى
اللغَة، ولَيس شَرًّا فحَسْب، بَل هو شَرٌّ يَتطاير مِنه الشَّرَر، ولَو أنَّه مُجرّد
شَخصٍ ضَالّ؛ فقَد يَجد مَن يُرشده إلى جَادة الصَّواب، لَكنه يَصرُّ عَلى التَّضليل،
ولَيس مِن المُبالغة ولا مِِن التَّهويل أن أصفه بالسَّرطَان..!
لَو صَدَق هَؤلاء مَع
أنفسهم، واعترَفوا بضعف أدوَاتهم الكِتَابيّة، لاستحقّوا الشَّفقة، والتَّغاضي عَن
أخطَائهم، وسَتر عيوبهم، لَكنهم حِين يُمسكون بالقَلم تَأخذهم العِزَّة بالإثْم،
فيَنفشون ريشهم، ويَتحدَّثون بصلَفٍ مَع الكَاتِب المُنتج، رَغم أنَّهم يَهمسون في
أُذنه دَائماً بأنَّهم مُجرّد قُرّاء في حَضرته، فتَجد هَؤلاء الأدعيَاء الانتهازيّين
يَنساقون خَلف مُحبِّي الفلاشَات، ممَّن يُثيرون الزَّوابِع، -سَواء عَلِمُوا أو لَم
يَعلمُوا- أنَّ الفلاشيّين لا يَستحقّون مَرتبة "قَارئ"، لأنَّهم يَكتفون
بعَناوين الأخبَار والمَقالات والمُقابلات، أو بعَناوين آرَاء الآخرين، ليُؤسّسوا
وفقها مَا يَعتقدون أنَّها "وجهَات نَظر"، ولو وَضعنا حَصيلتهم النَّهائيّة
تَحت المِجهر، أو أخضعنَاها لأي تَمحيص أو تَدقيق، لاكتشفنا أنَّها مُجرَّد
"وجْهَات سَمَع"، عَلى طَريقة "قَالوا لِي أو حَدَّثنا"..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّني أعتبرُ
تَطفّل هَذه الطَّائفة عَلى الكِتَابة؛ مِن قبيل التَّجنِّي عَلى الجَادّين مِن
كُتَّاب وقُرّاء، ولا يَقع اللّوم عَلى الإصدَارات -مِِن صُحفٍ أو مجلّات- في
الانبهَار بعَديمي المَنفعة، فهي حَائرة في أمرها، ولَديها مِن الهمِّ مَا يَزيد عَن
حَاجتها، ولا أدلُّ عَلى ذَلك مِن مُحاولات بَعضها لجسر هَذه الهوّة السَّحيقة
بالاستعَانة ببَعض الأكاديميين "الجافّين"، ظَنًّا مِنها أنَّ أهل التَّخصُّص
العِلْمِي سيَتحقق عَلى يَديهم المُعجزات، دون أن تَسأل هذه الإصدَارات نَفسها، لمَاذا
يَتنفّس الطلاّب الصَّعدَاء حين يفرّون مِن قَاعات مُحاضراتهم..؟!
وتلك مَأساةٌ أُخرى لن
أُوجع قلُوب القرّاء بِها الآن، بَل أطلب مِنهم المُساهمة مَعي في طَبخِ مَقالٍ
آخر، إن لَم يُدركهم الامتعَاض والمَلَل، أو يَنال منِّي النِّسيان والزَّلل،
فلذّة الاكتشَاف أَوْلَى مِن البُكاء عَلى الطَّلل..!!!
أحمد
عبدالرحمن العرفج
تويتر:
Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق