الكتابة
في الشأن الاجتماعي!
تتكرر
الأسئلة، وتنفد الاستفسارات عن غياب الحبر الأصفر عن الإسهام والمشاركة في مشاكل
وتوترات الشأن الاجتماعي.. بمعنى من المعاني يطلب منك أن تكتب عن أسعار البصل في
سوق الخضار، وأثر التدخين على المرأة الحامل، وفوائد الرضاعة الطبيعية، ومشاكل
الصرف الصحي في جدة- حفظها الله- وحفظ كل الوطن من شرور الإرهاب والمتاعب
والأوصاب!
والقلم حين
ينأى، ليس تقليلاً من الشأن الاجتماعي، بل للمعرفة التامة بصعوبة ودقة وتوتر هذا
الحقل، الملىء بالتشابك والتداخل! إنه الخوف المنبعث من قول المدرك لقدراته العارف
بطاقاته.
ولا تطمئن-
قارئي الكريم- أن هؤلاء الكُتّاب الذين يملأون الصحف ويعمون الأبصار كتابة ونقداً
وتحليلاً عن الشأن الاجتماعي، لا تظن أنهم قد استوعبوا "مسالك وشبكات الشأن
الاجتماعي" بل هم ضحية الجهل الأصلي الذي، يداعب متلقياً بسيطاً تابع خمس
نشرات أخبار في الليل، وسمع الكثير من المعلومات فظن في الصباح أنه أصبح خبيراً
سياسياً، وما درى هذا المسكين أنه علم شيئاً وغابت عنه أشياء!!!
وتبدأ المشكلة
حين الكتابة في الشأن الاجتماعي وتصوّره، من خلال هذا الارتباك في ذهنية المتلقي
العربي في مفهوم الشأن الاجتماعي- بل بمفهوم مصطلح "اجتماع"!
ومن
المعلوم من العقل بالضرورة بأن من بدأ مرتبكاً، انتهى أكثر ارتباكاً، وما مفهوم
الاجتماع في العقل العربي إلا من هذا القبيل.. إذْ مازال المترجم العربي مغشياً
بالحيرة، مترهلاً أمام المقابل العربي لكلمة "sociology" فأحياناً يسميها
"علم اجتماع" وفي أخرى يطلق عليها "علوم اجتماعية" وفي مرة
ثالثة يناديها بـ"الاجتماعيات" ومثل هذا التشويش، انعكس بصورة من الصور
على عقلية "الكاتب الاجتماعي"!
إن
الكتابة الاجتماعية- بوضعها الراهن- هي جزء من مشكلة، في حين أن أصحابها يطرحونها
على أنها جزء من الحل!!! مسكين هذا الكاتب، يريد السفر من مدينة لأخرى فتتأخر
الطائرة، الأمر الذي يجعله يكتب مقالاً عن هذا التأخير مبدياً السخط، وما هي إلا
أيام حتى يتصل به المسؤول ويطلعه على الأسباب، ليخرج هذا الكاتب المسكين واصفاً
مدحاً طويلاً عن الجهاز الذي كان بالأمس ينتقده، ولا ينسى هذا الكاتب أن يثني على
المسؤول وتواضعه، وأنه (استقبله في الممر وودعه ممسكاً بيده شاداً على قلمه، حتى
وصل المسؤول والكاتب إلى الممر مرة أخرى)!
إننا
نستخف بالعقول حين نتصور أن مثل هذه الكتابات هي "حلول" فضلاً عن أنها
مقالات اجتماعية.. ولك أن تتخيل أن هذا الكاتب لم يسافر، أو الكاتب الآخر يمر بهذه
المعاناة، كيف سيكون الوضع؟ هل ستضيع الأمور وتتدهور الأحوال!
إن مهمة
الكاتب الاجتماعي، وظيفة تترفع عن محدودية النظر، وقصدية التسول، إلى هم البناء
ورغبة التحول، التحول المصحوب بمراعاة "كل الزوايا"، فلا يكفي أن يرسل
قارىءٌ لكاتب اجتماعي راغباً منه الكتابة لدعم مشروع معين، ليستجيب الكاتب فوراً
لتلبية طلبه، ولك أن تتخيل حجم الضرر الذي خلفه لنا كُتاب الثمانينيات، حين أخذوا
يصيحون مطالبين بدعم زراعة القمح، الذي جعلنا نكتشف بعد عشر سنين أن الاكتفاء
الذاتي من القمح جعلنا وطناً مهدداً بالعطش.
كما أن
الكتابة الاجتماعية على هذا النحو تستوجب أن يكون هناك كاتب لكل مواطن، يعرض فيه
مشاكله، ومن المعلوم أن القارىء لا يهمه إلا مصلحته المحدودة، وفائدته الضيقة،
ولكن لا يعلم هؤلاء الكُتاب وأولئك القراء أن ما ينفع الكبد قد يضر الطحال!!!
أحمد عبد الرحمن العرفج
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق