الخميس، 5 ديسمبر 2019

همُّ الكِتَابَة ..!


همُّ الكِتَابَة ..!

يقول الشَّاعر الموريتاني سيدي محمد بن الشيخ:
إنِّي هَمَمتُ بِأَن أَقُول قَصِيدَة
بِكراً، فَأعيَانِي وُجود المَطلع!
هكذا "هي" القصيدة الوثيقة.. وَجعٌ وغناء، تعبٌ وإعياء، سفرٌ ضدّ التّيار، ريحٌ تُقاوم صمود الجبال! عندما تخرج -هذه الفاتنة- مِن قُمقمها المُتجاوز، المُنسلخ مِن مقبرة الألفاظ، تدخل في دوائر الوقت، إمَّا أن يَلفّها الغبار، وإمَّا أن تأخذها ريح صرصر عاتية!
الشَّاعر والزَّمن ثنائيّة، وكأنَّها ثنائيّة السَّماء والأرض، حين تدخل "القصيدة/ السّحابة" مَن منهما دخل باب الفرح؟!.. أهي السَّماء التي أقلَّت سحاباً ثقالاً؟!، أم الأرض التي ضاجعها الماء فاهتزّت -على إثره- وربت؟!
وشاعرنا الذي أعياه وجود المطلع ولو وجد المخرج، وأخرج نصّه مِن ثناياه، فمن يكون الطّائر سعادة وفرحاً؟!.. أهو الشّاعر الذي وجد المطلع، وارتاح من الإعياء؟!، أم هو النّص الذي عانى مِن الأسر والحبس، وجاءت ساعة الإفراج عنه، ليُسرِّح يديه كالبحر؟!
والشَّاعر إذا استبدل قلبه بالقاموس، لم يسعه إلَّا أن يقول كقول غازي القصيبي:
وأحْمِلُ فِي دَمِي "هَمَّ البَرَايا"
وتَحْمِلُ همّ جرٍّ، أو مُضَافِ
وهنا نحمل همّين: هَمّ وجود المطلع، وهَمّ البَرَايا..
ثُمَّ يُضيف العاطلون في شوارع الكلام همًّا ثالثاً، يُسميه القصيبي: هَمّ الجَرّ والمُضاف!
متى نُخرج هذه الهموم المتوالية؟!
مَن الذي يُحاول جرّ الشّواطئ بالسّفن؟!
مَن الذي يحمل هموم الأشجار المُباركة؛ غير أولي العزم مِن القوم الذين يحسبون غاية الشّعر، أن يَحفّوا شوارب اللغة؟!
الشَّاعر الكبير ناظم حكمت يقول: (فإذا لم أحترق أنا، لم تحترق أنت، ولم يحترق هو، فكيف يخرج مِن الظُّلمات نور؟)!
ثم دونك قول السَّلف المأثور: إذا خفت فلا تَقل، وإذا قلت فلا تَخف!
للطّريق مخارج، ولكن أين الطَّريق؟!
وللمنازل باب، ولكن:
لكِ يا مَنازِلُ فِي القُلُوبِ مَنازلُ
أقْفَرْت أنتِ، وهُنَّ مِنكِ أوَاهِلُ!
كُلّ الدّوائر تحثّ على الصّمت، وكُل الحروف تحرّض على السّكوت، أليس الصَّمت -أحياناً- أبلغ مِن لسان العرب، الذي مزّقته رماح ابن جلا وطلاع الثّنايا؟!
الرَّسم بالصّمت، نهاية البداية، وبداية النّهاية، فالخيال يختزل كُلّ الأشياء.. والكلام يضم "بعض الإغفاء"!
لذا أجدني واقفاً بجوار الشّاعر الكبير أحمد النّجفي، لقوله:
فِي النّظم مِن نَار الشّعر شَرَارَة
تَبدُو، ومِنهَا فِي الخيالِ شَواظ
أَهوَى الشّعور مِن الكَلَام مُجرّداً
إنَّ الشّعور قبُوره الألفَاظ!
مزيداً مِن الصّمت يا عباد الله، وهمّوا إلى الاستغراق في بطون الكُتب، وأُمّهات المُؤلّفات، وآباء الأوراق، وعيون القصائد، وآذان النّثر، حتى لا يتعبنا وجود المطلع!.

أحمد عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!