الخميس، 5 ديسمبر 2019

نَـعَـمْ.. الْـكِـتَـابَـةُ فَـرْضُ كِـفَـايَـةٍ!


نَـعَـمْ.. الْـكِـتَـابَـةُ فَـرْضُ كِـفَـايَـةٍ!
يبدو أن الكُتّاب العرب قد رسموا لأنفسهم صورة أكبر من الواقع بكثير, حين تصوروا أن حلول المشاكل البشرية مخبوءة بأيديهم, وداخل جماجمهم! تسمع أحدهم يقول, عندما تطرح عليه أي مشكلة, بعد أن يأخذ نفساً عميقاً: (أنا كتبتُ عن هذه المشكلة ولكن لا حياة لمن تُنادي)!
أخونا النحيل الرشيق صالح الشيحي كتب مُعترضاً على إحدى موائد (طعام من ضريع), حين قرّرت المائدة أن (الكتابة فرض كفاية)، إذا قام بها البعض سقط الإثم على الباقي! مُعتبراً أن الكتابة في الشأن الاجتماعي فرض عين على كل مسلم ومسلمة، وختم الشيحي مقاله مخاطباً صاحب المائدة: (عد إلينا أيها الأديب الأريب الفصيح)! صحيفة الوطن في 21/10/2003م
حسناً يا صالح, سمعنا وعصينا, لأنه يكفي أن ينفر من كل قوم طائفة يسدُّون ثغرة من ثغور الأمة، على افتراض قبول نظرية (السد والثغر)! إن معضلة الكتابة في (القطاعات الخدمية), تلك التي يمارسها مثقفو الخِدمات ـ بكسر الخاء ـ معضلتها أنها فقدت حرارتها, حين تكاثرت كالضباء, حتى وصل المسؤول (خراش) إلى الزهد فيها, واسترخاص مضمونها، مطلقاً عبارته المشهورة: (كلام جرائد)! يا سيدي صالح, إن كثرة المساس تقلل الإحساس, وكل الذي تفعله أنت, وجماعتك من كُتّاب المُلاحظات العامة، ليس أكثر من عملية  (تنفيس), تشبه تلك الأصوات التي يصدرها من يشرب مشروباً غازياً بعد وجبة طعام مثقلة بالدهون! ثم لتعلم أيها العزيز ـ وهذه لفة نحيلة ذكرني بها الصديق المثمر عبد العزيز الخضر ـ أن التخصص (غالباً) ما يغيب عن كُتّاب الخِدمات , لذا نجدهم يكتب عن: مشاكل المرور، السعودة، الهاتف، القبول في الجامعات، الخصوصية، براءة الإسلام من الإرهاب، فوائد الرضاعة الطبيعة، أثر التدخين على المرأة الحامل، أثر خطورة الرياح عندما تمر على منخفض السودان! يكتبون كل ذلك، ثم يؤوون إلى وسائدهم الوثيرة, ظناً منهم أنهم أنتجوا شيئاً ذا بال! إن الكاتب الاجتماعي ـ في أكثر صوره ـ ليس أكثر من ذلك المخدوع الذي ظن أنه إذا جلس في المحكمة خمس مرات سيصبح قاضياً, أو هو ذلك البسيط الذي سمع ست نشرات أخبار فظنّ نفسه بمثابة الصحفي الأمريكي السيد توماس فريدمان! يا سيدي: الكتابة في الشأن الاجتماعي تحتاج إلى عمق, فلا يكفي أن تصل رسالة من قارئ فيها مطلب شخصي لنُقيم الدنيا ومن أضحى عليها! يجب أن نصل إلى سبب الخلل وليس إلى تسكين الظاهرة، والحكمة تقول (تعليم الناس صيد السمك خير من الصيد لهم)! يا سيدي صالح, تذكَّرْ قاعدة عامة في الحياة تقول: (إِنَّ مَا يَنْفَعُ الْكَبِدَ قَدْ يَضُرُّ الطُّحالْ), ثم تذكَّرْ مقولة الروائي عبد الرحمن منيف القائلة: (إن نصفَ المعرفةِ أشدُّ خطراً من الجهل), وتذكَّر بيت جدّك امرئ القيس عندما قال في حبيبته:
فَقَبَّلْتُهَا تِسْعاً وَتِسْعِينَ قُبْلَةً  *  وَوَاحِدَةً أُخْرَى, وَكُنْتُ عَلَى عَجَلْ
أتدري أيها العزيز: لماذا كانت الأخيرة على عجل؟! لأن جدك وصل إلى التشبع بالقبلات, كما تشبع المسؤول من الشكاوى فصار يقرأها على عجل!
ـــــــــــــــــ
أحمد عبد الرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!