مِن الطّيش الزّعم بأنَّ الكِتَابَة لا تُؤكِّل العيش ..!
قَالوا في الزَّمن الغَابر
–ومَا أكثَر مَا قَالوا- إنَّ الكِتَابة لا تُؤكِّل عيشاً، ولا تُعطي إلَّا
"خيشاً"..!
ومِثل هَذا القَول لَم يُوضع
عَلى مَنصّة التَّحقيق، ولَم يُشرَّح عَلى مَجزرة التَّدقيق، لأنَّ المُشاهد والمُتابع
للوَضع الكِتَابي الثَّقافي؛ يَجد أنَّ البَعض نَاله الثَّراء مِن كِتَاباتٍ فَارغة،
أو حتَّى مِن صَفحات لَيس فِيها إلَّا الفَراغ والبيَاض، كَما أنَّ الكَاتِب لَو جَعل
نَفسه بُوقاً لهَذا النِّظام أو ذَاك لأصبَح بَين يَومٍ ولَيلة مِن الأثريَاء
الذين يُشار لَهم بالبَنَان..!
مِن هُنا يُمكن أن يَتَّضح
خَلل هَذه العِبَارة وقصُورها في الدَّلالة والإشَارة، ونَظراً لأنَّ المُجتمعات
حسَّاسة، وأهل الثَّقافة والكِتَابة أكثَر حَساسية مِن مُجتمعاتهم، فلابد أن أضرب
مَثلاً إمَّا بحَيواناتي أو بنَفسي، لأنِّي لا أملك إلَّا هُما، ومَادَامت الحَيوانات
قَد ارتَقَت عَن الكِتَابة والثَّقافة، وهَبطنا نَحنُ البَشر إليها، فلا مَناص ولا
مَفرّ مِن الاستدلال بنَفسي، لإثبَات أنَّ الكِتَابة تُؤكِّل العيش وتَجلب المَال،
ومَا لَذَّ وطَاب مِن الأقوَال والأفعَال..!
وأوّل حَسنَات الكِتَابة
والثَّقافة "البَديهيّة"؛ أنَّها بمُقابل مَالي، مِن هُنا يَتّضح خَلل
المَقولة القَائلة: إنَّ "الكلام ببلاش"، وعَلى هَذا الصّعيد فإنَّ كَلِمَتي
إذَا كُنتُ في السّعودية تَكون بثَلاثةِ ريَالات، أمَّا إذَا كُنتُ في بريطانيا
فهي بجنيه..!
كَما أنَّ مِن حَسنَات الكِتَابة
التَّعرُّف عَلى البَشَر، واكتسَاب شَرائح وطَوائف ووجوه يَفتخر الإنسَان بالتَّعرُّف
إليها، وهي مَا تُسمَّى بالمَجموعة الصَّامتة مِن القُرّاء التي لا يَظهر إعجَابها،
لأنَّها تَضعه عَلى الصَّامت لا عَلى الهزّاز..!
وهُناك مَجموعة غَير صَامتة،
ولَيست هَزَّازة بَل فعّالة، وحتَّى لا يَكون الكَلام في سَاحة العموميّات؛ سأذهَب
إلى المُسمّيات التي جَاءتني عَن طَريق الثَّقافة والكِتَابَات..!
أوّلاً تَعرفتُ عَلى قَارئ
كَريم اسمه "أمين الأنصاري" مِن المَدينة المنوّرة، ومِن تَقديره لي
وإعجَابه بحبري الجَاف؛ صَمّم لي مَوقعاً إلكترونيًّا مَجَّاناً، وقدَّمه لي هديّة،
ومَازال المَوقع حَيًّا يُرزق..!
كَما أنَّ قَارئاً مُحبًّا
آخر -صَار فِيما بَعد مِن أعزِّ الأصدقَاء- اسمه الدكتور "فوّاز سَعد" تَكرّم
عَليَّ –بَعد أن عَلِمَ أنَّني يَتيم، ولَم أحصل عَلى مِنحة- قَام مَشكورا بتَطبيق
مِنحة مِن نَوعٍ آخر؛ في مسَاحة تَقع على أربعة شَوارع دَاخل مُخطّط الآبل ستور، رَغم
أنَّها تُكلّف الكَثير مِن المَال والجُهد..!
ومِن مُكتسبات الكِتَابة
والثَّقافة -أيضاً- أنَّ الأستَاذ المَعروف "بَدر العبّاسي" –مِن شدّة
إعجَابه بمَا أكتب- سَألني قَائلاً: هَل أنتَ عضو في نَادي الاتّحاد؟! فقُلتُ لَه:
يا ليت، ولكنَّني لَستُ عضواً، فعَمَل لي اشترَاكاً في العضويّة لمدَّة عَشر سَنوات،
يَتكفّل هو بدَفع رسُومها..!
هَذه نَماذج فَقط مِن أفعَال
المُحبِّين والمُعجبين، والبَاب مَازَال مَفتوحاً عَلى مَصراعيه؛ لمَن أرَاد أن يَتبرّع،
أو يُعبِّر عَن إعجَابه بالفِعل لا بالقَول، ويُفضّل مَا لذّ وطَاب ممَّا غَلا ثَمنه،
وخَفّ حَمله..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: بَعد كُلّ هَذا،
هَل يَتشدّقون بالقَول: إنَّ الكِتَابة لا تُؤكِّل عيشاً..؟!
لا أُبالغ إذَا قُلتُ أنَّها
مِن الوَسائل التي لا تُؤكِّل عيشاً فَقط، بَل تُؤكِّل كافياراً واستاكوزا ولذائذ
الطّعام التي تَضمّها فَنادق الخَمس نجوم، والدَّليل "سلتحة" بَعض المُثقَّفين
في الدَّعوات والمُناسبات الثَّقافيّة..!!!
أحمد
عبدالرحمن العرفج
تويتر:
Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق