كَلامُ العَرَب فِي صِيَاغة "هَزيمة المُنتَخب" ..!
المُتَابِع لكَثيرٍ مِن وَسائل الإعلَام -المَسموعة والمَرئيّة والمَقروءة- في عَالَمِنَا العَربي؛ يَلحظ بوضُوح رَغبتها الجَامِحة في تَمرير مَواقفها الأيدلوجيّة، وقَناعَتها الرُّؤيويّة في سِياق الأخبَار التي تَبثّها، بمَا يُخرج الخَبر مِن سِياقهِ "التَّعريفي" المَحض؛ المُقتضي أن تَكون دِيباجته الأساسيّة "الحِيدة والتَّجرُّد"، ليَدخل في نَفق "الرَّأي"، فيَفقد بذَلك أهم ميزَات الخَبَر الصَّحفي، ويُحرِّك المُتلقِّي مِن خَانة المُتعاطِي مَع الخَبَر؛ إلى دَائرة المُستهدَف "بالتَّعاطف"؛ حَسب الصّياغة التي تُدسّ في ثَناياها لُغَة غَير حِياديّة، وَاضعين في الاعتبَار أنّ اللُّغة سَائلٌ مَائي، وثَوبٌ شَفَّاف، وكَائنٌ خَام، يُحرِّض عَلى الفِعل، ويُؤجِّج المَشاعر، أو يَبعث عَلى التَّحرُّك نَحو هَذه الجِهة أو تِلك..!
وحتَّى تَعرف شَيئاً مِن أسَاليب الخُبثَاء، وطَرائق الجُبناء في صيَاغة الخَبَر، وتَحرير النَّبأ، لَاحظ مَا يَلي:
عِندَما يُهزم المُنتخب السّعودي مِن مُنتخب الكويت "الشَّقيق" مَثلاً، فإنَّ الخَبر تَتناقله أغلَب وَسائل الإعلَام، مُبتدئة بالعِبارة التَّالية: (فَاز المُنتخب الكويتي لكُرَة القَدَم عَلى نَظيره السّعودي بهَدف مُقابل لا شيء، سَجّله اللاعب... إلخ)..!
بَينما نَجد وَسيلة إعلاميّة أُخرى -كقَناة الجزيرة مَثلاً- تصيغ العِبَارات بحِرفيّة عَالية، وتَتعامَل مَع اللُّغة بوَصفها صُورة الأشيَاء في الذِّهن، لِذَا تَجد الخَبَر فِيها مُصاغاً عَلى النَّحو التَّالي: (مُني المُنتخب السّعودي عَلى أرضهِ وبَين جمهوره بهَزيمة مِن نَظيره الكويتي؛ في المُباراة التي جَرَت بَينهما مَساء اليَوم، بهَدَف دُون مُقابل... إلخ)..!
هَذا –طَبعا- حِين كَان المُنتخب السّعودي مُهاباً مُخيفاً.. وكَان خَبر هَزيمته يَتصدّر النَّشرات، ولَيس مِثل الآن، حيثُ أصبَح خَبر فَوزه خَبراً مُثيراً يَستدعي التَّوقُّف..!
مَا عَلينا، لنَعُد للصّياغة ونَقول: إنَّ مِثل هَذه الصِّيَغ الإعلاميّة تَرتبط ارتبَاطاً وَثيقاً بفنُون البَلاغة.. لأنَّ أهل هَذا العِلْم يَقولون: (إنَّ الخَبَر يَبدأ بالأكثَر أهميّة، وتَركيز المُستمع يَكون أكثَر في بدَاية الخَبَر.. لِذَا خَبر القَبض عَلى اللِّص أهَم مِن الجِهة التي قَبضت عَليه)، مِن هُنا تَقول كُتُب البَلاغة في صيَاغة الخَبَر: (قُبض عَلى اللِّص... إلخ)..!
وهَكذا تَبدو "هَزيمة المُنتخب السّعودي" أهَم مِن المُنتخب الذي هَزمه.. لأنَّ "قِيمة الخَبَر" في الهَزيمة، لَيس مُهمًّا مَن الهَازِم..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّني في إحدَى المُؤتمرات، قَابلتُ الأستاذ "وضاح خنفر" -مُدير عَام قَناة الجزيرة سَابقاً- وسَألتُه عَن هَذه الصّياغة التي تَبدأ بعبَارة "مُنى المُنتخب السّعودي".. سَألتُ عَنها فقَال: (نَحنُ لا نَقصد ذَلك، بَل هو اجتهَاد مِن الشَّباب في غُرفة الأخبَار)..!
والسُّؤال هو: هَل صيَاغة الخَبَر اجتهَاد؛ أم عَمليّة تُصاغ بعِنَاية واحترَافيّة عَالية؟.. أتمنَّى مِن الأستاذ "وضاح" أن يُجيب عَلى هَذا السُّؤال، خَاصَّة وأنَّه الآن في حِلٍّ مِن كُلِّ ارتبَاط بقَناتهِ السَّابقة..!!!
أحمد عبدالرحمن العرفج
تويتر: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق