الخميس، 28 نوفمبر 2019

مَن قَال إنَّ العَرب كُرمَاء ..؟!

الحبر الأصفر
مَن قَال إنَّ العَرب كُرمَاء ..؟!

يَبدو الكَرَم في السّعوديّة دعاية وإدّعاء، وليس حَقيقة واحتفَاء، والحَقائق تَدلُّ عَلى ذَلك، فمَثلاً إذا دَخَلتَ المَنازل، وَجدتَ غُرفة الضّيوف مِن الحَريم، وغُرفة الضّيوف مِن الرِّجَال، أو كما يُسمِّيها أهل نَجد  -شَرح الله صدورهم للطف والأناقَة- "المقلّط"، هَذا "المقلّط" يَبدو مُغلقاً مِن سَنة، ولا يُفتح إلَّا مَرَّة بالعَام، وسَبب الفَتح ليس لأنَّ هُناك ضيفٌ قَادم، بَل لأنَّ الخَدَم يُريدون تَنظيفه..!
أكثر مِن ذَلك.. يَعرف الخُبراء أنَّ الكَرَم فَضيلة لا تَتجزَّأ، فالإنسان الكَريم كَريم في كُلِّ شَيء، كَريم مَع أهله ومَع عُمَّاله ومَع جيرانه، ولكن المُلاحظ أنَّ الكَرَم في السّعوديّة يَأخذ شَكل الانتقَاء، بحيثُ تَجد الإنسان الكَريم مَع مَن يَرتبط مَعهم بمَصلحة أو مَنفعة، في حين أنَّه هو نفسه بَخيل مَع عُمَّاله وأولاده، ولا تَستبعد أن تَكون المَحاكم ودَوائر مَكاتب العَمل تجبره بدفع مُستحقَّات هذه الفئات لَهم، عَن طَريق الإجبار والإكراه، هَذا مِن جهة المَنازل.. أمَّا مِن جهة المَطاعم، فإنَّ كَثرتها تَدلُّ عَلى قلّة الكَرَم، لأنَّ النَّاس لا تُحب أن تَتضايق، بَل تَدخل إلى المَطاعم وتَعتلف، أو لِنَقُل "تَطفح" وتَملأ بطونها، وتَتبعها بمَشروب غَازي يَخرط الطَّعام، حتَّى يُصدر الأكل مِنه أصواتاً، تُشبه صَوت الكَفَرات حين يُصيبها جَائحة البَنشر..!
أكثر مِن ذَلك.. يَظنُّ العَربي بأنَّ الله اختصّه بالكَرَم دون غَيره، والكَرَم عِنده لا يَعدو أكثر مِن ''كَبشٍ أملح أقرن''، يُذبح للضّيف، مَع العِلم أنَّ الكَرَم عِند العُقلاء فَضائل كَثيرة، يَدخل فيها الوَفاء، والصّدق والأمانة، وهَذه قَد لا يَهتم بها العَربي كَثيراً..!
إنَّ العَربي يَفعل ذَلك وهو يَحفظ مَثلاً يَقول: "إكرام النَّفس هَواهَا"، ولكن الإجبَار والإلحَاح "والتَّلزيم"، لَم يَتركوا للفُضلاء مِن سَبيل، يَتَّقون به نَار الكَرَم العَشوائي، الذي يَصل لحَدِّ الإسراف، لذا يَقول بَعضهم:
بَعْضُ النَّدَى كَالْبُخْلِ فِيهِ مَضَرَّةٌ
وَالسِّرُّ فِي كَيْفِيَّةِ الإِنْفَاقِ!
قَد يَكون الكَرَم في العُرف شَاذاً، وعَلى هَذه النَّظريّة لَم يُوجد في العَرب مَن اشتهر بالكَرَم إلَّا "حَاتم الطَّائي"، وهَذا دَليل النُّدرة والقلَّة، لأنَّ الكَرَم لَو كَان ظَاهرة اجتماعيّة لاشتهر به العَرب، ولكَان كُلّ العَرب "حَاتم"، لكن "حَاتم" هو –هنا- الشّذوذ الذي يُؤكِّد القَاعدة، فالقَاعدة تَقول: "إنَّ العَرَب بُخلاء باستثناء حَاتم"، ومِن الخَطأ أن نَقول كُلّ العَرَب كُرمَاء بدَليل وجود "حَاتم"..!
حَسناً.. مَاذا بَقي..؟!
بَقي أن نَذكر مَقولة الحجازيين عندما يَقولون: "يا فرحة ما تمّت"، إذ حتَّى "حاتم" استورث الكَرَم الذي فرحنا به.. فهناك مَن اعترض على اسمه حين يَعلو بَوَّابة مَدرسة، إذ قَام بَعض الفُضلاء بمَنطقة حَائل واحتجّوا عَلى اسمه، على اعتبار أنَّه مُشرك، وطَالبوا بإلغاء المُسمَّى، كَما فَعلوا ذَلك مِن قَبل مَع فَريق الطَّائي، الذي كَان يَحمل اسم "حَاتم الطَّائي"، فحُذف "حَاتم" المَشهور بالكَرَم، وبَقي الطَّائي الذي لا كَرَم لَه..!.

أحمد عبدالرحمن العرفج

Arfaj555@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!