أَعُوذُ بِاللَّه مِن وَسوَسَة الشّعر ..!
أحياناً يروق للقلم أن يَشرد في دهاليز الغياب، ليكتب على جبين السّؤال تداعيات الجواب.. يروق للبياض أن يستعرض رائحة الهَمّ، أو هَمّ الرَّائحة.. يُحاول أن يَسلك زمناً بين زمنين.. زمن الفجيعة، وزمن ارتخاء القصيدة.. يتمنَّى أن يَعْبر جداراً يُريد أن ينقضّ على هواية الوقت، لا يفصله عن مَذاق البوح إلا شهيّة الصّمت!
يدخل في الدَّائرة الاستفهاميّة، ويظل تحت الإقامة الجبريّة، ليَخرج مِن رعونة المكان بخف الزّمان، وعذوبة الدّوران!
يتذوّق "لا" في ممرَّات "نعم"، ليبدو هذان الحرفان كعصفور مِن الشّرق الجريح، ليس لهما إلَّا التَّردّد بين جلافة الجهر، ونعومة السّر!
تتداعى على الذَّاكرة صورة الطّفولة، لينجرح الفؤاد ببضع وسبعين ذكرى، كُلّها في الخيال إلَّا واحدة، خافت أن تميل كُلّ الميل، فتُصبح مِن "المائلات" في رفوف الذَّاكرة!
ليس لدى الحبر متّسع لقفز الأسئلة، وضرب الأمثلة، لذا يحسن أن يُترك الباب مفتوحاً لاحتمالات زمن الشّعر، وهواجس النّثر، علّها أقوى مِن الرِّمال، وتأخذ كأس الوقت مِن اليمين إلى الشّمال!
يقول شاعرنا الرّوعة "أدونيس" في واحدة من ظنونه الأنيقة:
أكادُ ألمحُ أحلامي مُكدَّسة
كأنّها ورقٌ يَجْتره ورقُ
تحيد عَن أرضهَا مِن شَهوتي طُرقٌ
وتَنْمَحِي فِي مَدَاهَا –مِن دَمِي- طُرقُ
كَوَاكِبٌ مِن تَبَارِيحٍ ووَسوَسَةٍ
خُذهَا إليك، ودَعنِي أيُّها الأفقُ
هُناك سَأشعلُ نَارَ الحُبِّ ثَانيةً
هُناك أَحملُ عنقَائِي وَأحتَرق!
حسناً.. في النّهاية ماذا بقي؟!..
بقي أن أكمل ما بدأه شاعرنا، لذا يمكن أن تُتْرك الصّفحة بيضاء لتُمارس نفض غبارها، حين يكون البياض سيّد الكِتَابة، وفراشها الحقيقي، وميدانها المعنوي!
للبياض سلطة، إنَّه بوجه مِن الوجوه كالفَراغ الذي يسمح للرّياح بالعبور، ويُمكِّن الخطوات مِن الامتداد، ويُحرِّض النَّفس على الخروج مِن دائرتها المُحتجزة بين ثلاث شُعب، شعبة "النّفس اللوامة"، و"النَّفس المُطمئنّة"، ونفس ثالثة هي "الأمَّارة بالسّوء"!
يبدو البياض أو الفراغ –لا فرق- كسراب أبيض، يحسبه الجالس تلاشياً في ظنون الغياب؛ حين يصرخ قائلاً: أعرب معنى ما خطه شاعرنا المدهش "أدونيس" فيما يلي:
إنَّني مَللتُ ضِيَاءَ الشّمسِ فِي مُدني
خُذني بِعينيك واغرب أيُّها الشّفقُ!
أحمد عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق