الخميس، 28 نوفمبر 2019

السَّلْتَحَة الفِكْريّة ..!

السَّلْتَحَة الفِكْريّة ..!

يُصنَّف العربي على أنَّه مِن أكثَر شعوب الأرض تغنّياً بالكَرامة، وتَمجيداً لعزّة النَّفس والإباء والشّيم.. وفي ذات الوقت هذا الإباء وتلك العزّة؛ لم تَمنعه مِن أن يكون مِن أكثر الشّعوب طلباً للمُساعدة، واستجداءً للمال!
فالدّول العربيّة -دولاً وأفراداً- غارقة بديون وسُلف مُعلنة، وأحياناً تَسوّلات ومُساعدات تحدث في الظَّلام، وتتم تحت ستار الخَفاء!
وما أنا بصدده اليوم لا يَخص هذا الجانب مِن "السَّلتحة الماليّة"، لأنَّ هذا موضوع يَطول، وفكرة تَصول وتَجول!
ولكن هُناك نوع مِن السَّلتحة يُمكن أن أُسميه "السَّلتحة الفكريّة"، وتَظهر على النَّحو التَّالي:
في بداية كِتاب المُفكِّر "جون بيرد" (كيف تُغيّر حياتك في سَبع خطوات).. يَسأل المُؤلِّف سُؤالاً بَسيطاً قَائلا: (هل عَقلك يَخصّك؟!)!
بالتّأكيد السّؤال يبدو غريباً، ولكنه عميق وجدير بالتأمُّل، لأنَّ الكثير يَعتقد أنَّ عقله يخصّه، وأنَّه حُرّ في تفكيره، ويُمارس حيويته العقليّة بشكل عصامي، وما عَلِم هذا المُعتَقِد أنَّ عَقله أو أكثره قد يكون مُحتلًّا، بمعنى أنَّه تابع لغيره.. وبشرح أكثر دقّة، يبدو عقله عَالة عَلى عقول الآخرين.. وهذا ما أُسمّيه "السَّلتَحة الفكريّة"!
إنَّ للسَّلتحة الفكريّة وجوهاً كثيرة.. فعندما نُصدِّق "نظريّة المُؤامرة"، فنحنُ عَالة فكريّة على مَن قال بهذا القول!
عندما نشعر بأنَّنا ضحايا.. فهذا يعني أنَّنا قاصرون عن تربية أنفسنا، بل نحنُ لا نتحمَّل مسؤولية تَصرّفاتنا، وبالتَّالي فنحنُ عَالة فكريّة على الغير!
تقول الدّكتورة المُتخصِّصة في علم النَّفس "لويس هَيَ" في كتابها "الطَّاقة بداخلك": (إنَّ تحمّل المسؤوليّة يَدل على الشّجاعة والاعتزاز بالذَّات، أمَّا إذا زعمنا بأنَّنا ضَحايا للآخرين، فهذا يعني أنَّنا غير جديرين بتحمّل المسؤوليّة)!
إنَّ المَرء حين يُعير عقله لفكرة أو شيخ، أو مدرسة ثقافيّة، أو فقيه أو "مُلّا"، فإنَّه بهذا التَّصرُّف يُعلن عَن عَجزه وقصوره، وعدم قُدرته على تَحمُّل مسؤوليّة حياته.. وكأنَّه يقول: "يا هذا خُذ بيدي"!
أين الإباء الثَّقافي، بل أين الكرامة العربيّة، والعرب لا يملكون استقلاليتهم؟!، فهذا تابع لشيخ، وذاك لطريقة، وثالث لفقيه، ورابع لـ"مُلّا"، وخامس لإمام، وسادس لمذهب، وسابع لمُفكِّر.. إلخ!
لقد جاء الإسلام ليُخلِّص البشر مِن عبادة العباد إلى عبادة رَبّ العباد.. فلماذا تَغيَّر الطَّريق، وبدأ الكثير يَستجدي الفكر مِن هذا، والدِّين مِن ذَاك، والثَّقافة مِن ثالثهما؟!
يا قوم.. احذروا مِن "التَّسوّل الفكري" والسَّلتَحة العقليّة، واعلموا أنَّ مَن لا يَتحمَّل مسؤوليّة نفسه وتصرفاته؛ فهو "كَائِن حي بلا كَرَامة"!.

أحمد عبدالرحمن العرفج

Arfaj555@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!