الحبر الأصفر
هل التحديق في النساء عادة عربية بلهاء؟!
السَّفَر –كَمَا جَاء فِي لُغَةِ العَرب- مِن "الإسفَار"، وهو الاستيضَاح والاستنَارَة؛ ومَعرفة الأشيَاء عَلَى طَبيعتهَا، والأَهَم مِن ذَلك أَنَّ السَّفَر يُشعل سُؤال المُقَارنَة، بمَعنَى أَنَّ المُسَافِر يَزور البلدَان، ويَقيسها بمِيزَان بَلده..!
لقَد عِشتُ فِي بِريطَانيَا سَنوَات، وكُنتُ أُميِّز المَرأَة الخَليجيَّة عَن غَيرهَا؛ بكَثرة الأصبَاغ والمكيَاج، الذي يُحوِّل وَجه المَرأَة –أَحيَاناً- إلَى "طَاولة كيرم"، أَو "بيتزا ببروني نِصف مستويَّة".. كُنتُ أَسأَل نَفسي وأُعيد السُّؤَال، ثُمَّ أُعيد السُّؤال مَرَّةً أُخرَى، فلَا أَجِد جَوَاباً، كَمَا أَنَّني أَخجَل مِن طَرحهِ عَلى أَي امرَأة، لأَنَّني أَسيرُ عَلَى مَبدَأ: "مِن حُسن إسلَام المَرء؛ تَركه مَا لَا يَعنِيه"..!
لقَد كُنتُ أَسأَل نَفسي، مِن بَاب بقَايَا الفضُول الصَّحفي، الذي تَلَاشى مَع الزَّمَن، ولَم أَجِد الجَوَاب، حَتَّى وَقَعَتْ فِي يَدي روَاية "سَاق البَامبو"، لصَديقنَا المُتألِّق "سعود السنعوسي"، حَيثُ نَقَلَ حِوَاراً دَار بَين بَطل الرّوايَة، "عيسى الطاروف" وأُخته "خولة"، عَبر النَّص التَّالِي: (حِين أَخبرتُ "خولة" عَن مُلَاحظتي لهَذه العَادَة، أَجَابَت بَاسِمَة: "نَحنُ أَكثَر مَن يَنتَقد هَذا السّلُوك، وأَكثَر مَن يُمَارسه". النَّاس لَا يَجهَلون الخَطَأ، هُم يُميِّزونه كَما يُميّزون الصَّوَاب، ولَكنَّهم لَا يَتورَّعون عَن مُمَارسة أَخطَائهم طَواعيةً. سَألَتني "خولة": "هَل أَدركتَ سَبَب إفرَاط النِّسَاء –هُنَا- باستخدَام مَسَاحيق التَّجميل، عَلَى عَكس النِّسَاء فِي أَمَاكِن أُخرَى مِن العَالَم؟"، نَظرتُ إليهَا مُستَفهماً. أَجَابت: "النِّسَاء هُنَاك لَسْنَ أَكثَر ثِقَة بجَمَالِهنّ، إنَّما لَا أَحَد حَولهنّ يُحدِّق فِي وُجوههنّ، يُحصي عَدَد البثُور، كَمَا يَفعَل الكَثير هُنَا". خَتَمَت أُختي ضَاحِكَة: "لَيس الأَمر حِكراً عَلَى التَّحديق فِي وجُوه الآخَرين. لَو أَنَّ الآذَان تَتحرَّك عِند استِرَاق السَّمع، لشَاهَدْتَ آذَان البَعض -فِي الزِّحام- تُرفرف كالأَجنحَة". انفَجرتُ ضَاحِكاً وأَنَا أَتخيَّل المَنظَر)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي القَول: هَل مَا جَاء فِي الرّوَايَة صَحيح؟، هَل نَحنُ الشّعُوب العَربيَّة نُحبّ التَّحديق فِي وجُوه الإنَاث؟، أَم أَنَّنا مِن شعُوب الوَفرَة الاقتصَاديَّة، التي أَصَابهَا البَطر، لتَضخ المكيَاج فِي كُلِّ وَقت؟، أَمْ أَنَّ الإجَابَة غَير هَذه وغَير تِلك؟، ومِن المُستَحيل أَن أُجزم بصحّة جَواب مُعيّن، فأَنَا صَديق الاحتمَالَات، ورَفيق إمكَانية وجَاهة الإجَابَات المُتعدِّدة؛ عَلَى السُّؤَال الوَاحِد..!!
أحمد عبدالرحمن العرفج
T: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق