الخميس، 28 نوفمبر 2019

الشِّعر مُؤشِّر انحِطَاط وأُميّة !


الشِّعر مُؤشِّر انحِطَاط وأُميّة !

لَم أكن شَاعراً في يَومٍ من الأيَام، وإنَّما كُنت أكتب الشِّعر، ولكنّي أعفَيت نَفسي من هَذه الوَظيفة بُناء عَلى طَلب "اهتماماتي الفكرية"!
الشِّعر مِن وجهة نَظر شَخصيّة يُمثل خُزعبَلات وتَعاويذ، وتَماتِم وسِحر، وكَذب وتَهاويم، وأقوَال أفّاكة!
ومن يُراقب حَركة التّاريخ العَربي مُنذ الأزل يَجد أنّ الشِّعر يَرتفع حِين تَنحدر الأُمّة، ويَنحدر حين تَصعد، والشَّواهد بين الأيدي!
كَان الجَاهليون بالشّعر يَهتدون، وعَليه يُعوّلون، وفيه يَتسابقون، وفي إنتاجه "يَتعاكظون" ومَع إنشَاده "يَتراقصون"!
ثُم جَاء القُرآن الكَريم، مُقزِّماً من قِيمة الشِّعر، عَبر نَثر رَائع، وقَول حَكيم نَافع، وسَرد لَغوي جَميل، وتَدفُّق بَلاغي لَيس لَه مَثيل!
أكثر من ذلك، نَفي القُرآن عَن نَفسه الشِّعر، وتَحدى الجَاهلين - وهُم أهل فَصاحة وبَلاغة وشِعر ونَثر - أن يَأتوا بِعشر آيات، أو عَلى الأقل بِآية وَاحدة!
وعِندما استقرّت الأُمَّة الإسلاميّة في صَدر الإسلام، انسَحب الشِّعر من المَقاعد الأماميّة إلى الزَّوايا الخَلفيّة، وأصبح كَلاماً بَارداً، خَالياً تَذْرُوه الرِّيَاح.
وما هي إلا سَنوات حَتى انتَكس الوَاقف، وقَوي الخَائف، ليَعود الشِّعر إلى المَنابر وبَلاط الخُلفاء، لأن النَثر تَوارى، والفِكر تَردّى!
وهَكذا أصبحت حَركة التَّاريخ.. يَظهر الشِّعر ويَطل بِوَجهه عِندما يَحلّ الضَّعف، ويَتوارى عِندما تَقوى الأمَّة، وتَمتاز بالحَيويّة!
اقرَأوا الأدب وتَأمّلوا أبرَز الشُّعراء في العَربيّة، إنّهم لم يَظهروا في عُصور سِيَادة الأمّة، بَل لَمعُوا في عُصور الظّلام فِيها، وكَأنّهم التَرجمة الحَرفيّة للمَثَل القَائل: "إذا جَفّت البِرْكَة بَانَت ضَفَادعها"!
إنّ الشِّعر وطُقوسه لا يَترَعرع إلا في المَناطق المَسكُونة بالجَهل والأُميّة، وغِيَاب الرُّوح العلميّة، وسِيَادة الأقوَال الهُلاميّة، وسَيطرة المَعاني الخَياليّة، واستحواذ الألفاظ الخَاليّة من التَفكير والمَسؤوليّة!
خُذ مثلاً.. دَولة مُوريتانيا – دَولة المليون شَاعِر – إنّها دَولة لا تُجارى في الأميّة التكنُولُوجيّة، ومَا ذَاك إلا لِسيطرة الشِّعر وطُقوسه، التي تُشبه الزِّي العَربي الذي يُعيق "الحَركة"، ويُساعد عَلى "البَطالة والرُّكون".
أكثَر مِن ذَلك.. يَسُود الشِّعر الآن في المُجتمعات العَربيّة، لأنّه يَتماشَى مَع مَا وَصلوا إليه من "جَهل وأُميّة" جَعلتهم يَبحثون عَن "تَفسير الأحلام"، وقِراءة "الأبرَاج"، و"وَرق اليَانصيب"، و"البلوت" و"القُمار"، و"شَاعر المليون"، و"أمِير الشُّعراء"، وكُتب "الشِّعر الشَّعبي وأخيه الفَصيح"!
ليَبقى السُّؤال.. لِماذا يَهتم العَرب بالشِّعر؟.. الإجابة كَما يَقول شَّيخ الشُّعراء نَزار قَباني: "لأنَّ النَثر فضيحة كُبرى"!
نَعم النَثر يَكشف العَقل، ويَفضح الفِكر، والشِّعر عَكس ذَلك، فَهو يَستر العَقل بِطَلاسم القَول، وبَلاغة الكَذب، وزُخرف القَول، مِثلما يَستر الزِّي العَربي "بَلاوي الصَّلعة"، و"أوسَاخ الرَّأس"، و"أُميّة الدِّمَاغ"، و"أنيميا العِلم"!.

أحمد عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!