الخميس، 28 نوفمبر 2019

المُتَاجَرَةُ بِاسم الشَّارِع العَرَبِي ..!

المُتَاجَرَةُ بِاسم الشَّارِع العَرَبِي ..!

يَقول صَديقنا إيليا أبوماضي:
يَا رَفِيقِي أنَا لَولَا
أَنْتَ مَا وَقَّعتُ لَحْنَا
كُنْت فِي سِرِّي لَمَّا
كُنْتُ وَحْدِي أَتَغَنَّى
رُبَّمَا كُنْت غَنِيًّا
غَير أنِّي بِكَ أَغْنَّى !!
يَلحُّ الشُّعرَاء عَلى المُزايدة بعَوَاطف المَجموع، ويصرّون على أنَّ الشَّاعر "مُفرد بصيغَة الجَمع"، كما هو عنوان: "ديوان الشَّاعر الكبير "أدونيس"، والشُّعراء ما فُتئوا يُدندنون حول "الفرديّة" مِن أجل المَجمُوع، والأنَا المُشبَّعة بالـ"هم"، والذَّات المُمتزجة بالآخر.. وكأنّ الأوّل المَاء، والآخر الظَمَأ!!
ويُحاول الشُّعراء كُل صباح المُتاجرة بأحلام الضّعفَاء والمَساكين، والذين لا حَول لَهم ولا قوة إلا مِن بحُور الخَليل، والمَمنوع مِن الصَّرف!!
يَقول رَائدهم فِي العَصر الحَديث -الذي رَحل قَبل أعوام-: "أنا أُخاطب النَّاس الجَالسين عَلى أرصفَة الحُزن، لا النَّاس الجَالسين عَلى رفُوف الكُتُب، أُخاطب النَّاس المَصنُوعين مِن أعصَاب وأنسجَة، ولَحم بَشري مُحترق، لا النَّاس المَصنوعين مِن زبدة.. وحَرير.. وسيراميك!!
أُخاطب الصَّعاليك لا الملُوك.. أُخاطب الدَّراويش لا الأبَاطرة.. وتَلاميذ المَدارس لا أساتذة الصَّرف والنَّحو.. أنا ضد الأقليّات الشّعرية، وليس لَديَّ الوَقت لأُخاطب عَشرة أشخَاص ونصف؛ يَستمعون إلى الشّعر كأنَّهم جَالسون عَلى كُرسي حَكيم أسنان!!
أنا شَاعر مِن العَالَم الثَّالِث.. أو الثَّالِث عَشر، ولَديَّ مِن مَخزون الدّموع مَا يَكفي لملء عَشرة بحُور.. فهل تُريدني أن أُدير ظَهري للجَماهير العَربيّة"؟!!
ويُواصِل صَديقنا قَوله:
"الثَّقافة ليس مَكانها في أنابيب الاختبَار.. إنَّمَا مَكانها في الأمكنَة العَامَّة.. والهَوَاء الطَّلق.. إنَّني ضدّ أطفَال الأنابيب.. وقَصَائد الأنابيب.. وشُعراء الأنابيب.. وأُفضِّل أن أُولد ولادة طَبيعية مِن رَحم الشَّوارع العَربيّة؛ المُكتظَّة بالخوف والقَمع، والاستبدَاد والجوع، والعَطش والسّعال، عَلى أن أُولد فِي المَجامع اللغويّة والأكاديميّات.. أنا جُزء مِن الوَجَع العَام.. وسَمَكَة مِن الأسمَاك التي تَعوم في بَحر الأسئلَة، والزَّلازِل السّياسيّة والاجتماعيّة، والقَلق العَربي العَام.. الوَرقة التي أَكتب عليها ليست وَرقة بَيضاء.. ولكنَّها وَرقة تَرتسم عَليها مَلايين العيون "العربيّة".. فكَيف تُريدني أن أهرب مِن هَذه العيون، وهي تَسبح في دَورتي "الدمويّة"؟!!
إنَّني لا أكتب كي أسترضي أو أُجامل، أو أطلب مَرضاة الشَّارع العَام.. فضَوضَاء الشَّارع تَخرج مِن دَاخلي.. والبُكاء العَام يمطر مِن عيوني.. والقَلق العَام هو جُزء مِن قَلقي"!!
بَعد هَذا..
لي أن اسأل بغَبَاءٍ رَمَادي، وذَكَاءٍ عَادِي، هل تُصدِّقُون مَا سَبق؟!.. هل أنتُم مَع ذَلك التَّورّم الذي يَصدر مِنكم وإليكم؟!.. لَستُ أجد فيمَا سَبق الصِّدق؛ الذي أجده عِند شَاعر في أدغَال الصَّحرَاء ومَتَاهَات الرِّمَال؛ يَجوس خلال البَرَارِي؛ صَارخاً كأنَّه الرَّعد، ومُدويًّا كأنَّه البُركان.. ذَلكم هو الشَّاعر الخجل السَّعدي التّميمي الذي قَال –صَادقاً- بذَاتيّة مُرتفعة جِداً، رَفعها الصِّدق والصَّراحَة، والابتعاد عن المُتاجَرة والمُزايدة بأحلام الرِّجَال، وعَوَاطِف النِّسَاء.. لأنَّه غَليظ.. أو أكثر غَلاظة مِن الإبل.. يَقول:
يُبْكَى عَلينَا.. ولا نَبكِي عَلى أَحَدٍ
فَنَحْنُ أَغْلَظ "أَكْبَاداً" مِن الإبِلِ !!

أحمد عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!