الخميس، 28 نوفمبر 2019

الكَرَمُ العَرَبِي ..!

الكَرَمُ العَرَبِي ..!

المَنْهَج التَّفْكِيكِي يَجب أن يُطال كُل مَفاهيم الحَياة ومُعطياتها، لا يُستثنى القَدِيم لِقدَمِه، ولا الجَديد لِطَزَاجَته، بَل يَتناول المَفاهِيم والعَادَات؛ والتَّقالِيد والمُعطيات الحَضَارية، مُحَلْحِلاً لَهَا ومُخَلْخِلاً لِمَضَامِينها، ومُفكِّكاً لِحمُولاتها، رَغبةً فِي إِعَادِة إنتَاجها، وإِلبَاسِها ثَوباً جَديداً يَتلاءم ورُوح العَصر!!
تَدخُل المَكْتَبَة العَرَبيّة، فَتذهل مِن الكُتب التي تَتحدَّث عَن العَرَب وقِيَمهم، وفَضَائِلهم ومَحَاسِنهم، والأُبّهة التي تَتلفَّع بِهم، والكَرم الذي يَسيل مِن أَطْرَاف أَصَابعهم، والشَّجَاعَة التي تَتخلَّل رِجَالهم ونسَاءهم!!
إنَّك تَجد كُتباً تَحمل عَناوين مِثل: "مِن شِيّم العَرَب، و"الكَرم عِند العَرب"، و"الشَّجاعة عِند العَرب"، و"الأخْلَاق العَربيّة"، و"الجَانِب الحَضَاري عِند العَرب"!!
إنَّها كُتُب تَشتكي مِنها الأُرفف، وتَصرخ مِن ثُقلها الجُدران، ولا عَزاء للحَاملين، بل يَصل الأمر بالجَاحِظ أن يَقول: "الشّعر والوَزن خَصيصة عَربيّة"، وهو الذي لَم يحط بأي لُغة أُخرى غَير العربيّة!!
إنَّ العَرَب عِندَما يُظهرون مَحَاسنهم بهَذه الفَجَاجة، ويُبدون زينتهم إلى بعولتهم وغير بعولتهم، يَتوهّمون بأن مِثل هَذه الفَضائل مَحصورة لهم، ومَقصورة عَليهم، وكأنّ الله -جلَّ وعزَّ- خَلَقَهم مِن طينٍ آخر غَير طِين البَشريّة أَجمعين!!
إنَّ الله لَم يُقْصِر الفَضَائِل عَلى بَلد؛ أو جِنس أو نُوع أو طَائِفة، ولَك أن تَتخيّل وَقع عِنوان المَقَال عَلى عَقلَك إذا كان: "مِن شِيّم الصّرب، أو الكَرم الأمريكي، أو الشّجاعة عِند الهنود".. إنَّه نَفس وَقع عِنوان "الكَرَمُ العَرَبِي" عَلى غَير العَرَبي.. مِن هِندٍ وصِين، وصِرب مُعتدين وغَير مُعتدين!!
إنَّ الفَضَائِل مِلك للبَشريّة، ولَكن تَأكَّد أن الفَضيلة هِي صِفة وُسطى بين رَذيلتين، وقَد أدرك فكرة "عَولَمة الفَضَائِل والرَّذَائِل" شَاعر عَامي بَسيط اسمه بداح العنقري، يَقول فِي ذَلك:
البَدْو، واللي سَاكِن بالقَرَايَا
كُلٍّ عَطَاه الله من هبّة الرِّيح

أحمد عبد الرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!