العربي والصديق.. والأجنبي والرفيق ..!
يَظنُّ المَرء –للوَهلةِ الأُولى- أنَّ مُفردة أجنبي سَهلة المَنال، لَكنها قَد تَستهلك المَقال، وقَد نَكتشف في نَهاية المَآل، تَبدُّل المُنحنى والحَال.. نَعوذ بالله مِن قَهر الأوصَاف والأقوَال..!
فالتَّعريف الشَّرعي لكَلِمَة أجنبي، هو الرَّجُل الذي ليس مَحرماً للمَرأة، ولا يَجوز لَها بحَالٍ مِن الأحوَال مُخالطته، حتَّى ولو كَان سعوديًّا، ويَحمل عضويّة في نَادي "عَقيدة الدِّيجيتَال"..!
والتَّعريف العَربي للأجنبي –باستثنَاء المَملكة ورُبَّما بَقيّة دول الخَليج- هو غَير العَربي، فتَجد في مَطارات الدّول العَربيّة ومَنافذها الحدوديّة البريّة؛ لَافتات مُعلَّقة فَوق كُلّ "كَاونتر" للجَمارك أو للجَوازات، وقَد كُتب عَلى كُلِّ وَاحدة وَصفاً مُختلفاً، مِثل: "العَرب، الخَليجيّون، الأجَانب"، وفَصْل أهل الخَليج هُنا عَن العَرب؛ لَيس مِن بَاب الانتقَاص مِن عروبَتهم، أو التَّقليل مِن شَأنهم، بَل مِن أجل تَقديم خَدمات مُتميّزة ومُعاملة تَفضيليّة، إكرَاماً للدُّولار الأخضَر والقَلب الأخضَر..!
أمَّا التَّعريف السّعودي لكَلمة أجنبي –ورُبَّما الخَليجي أيضاً- فهي تَعني كُلّ مَن هو أقل مِنَّا شَأناً، سَواء كَان عَربيًّا أم غَير عَربي، وقد اصطلحنا مُنذ زَمن بَعيد عَلى تَسمية الغَربي "خَواجة"، ولا يُستثنى مِن ذَلك إلَّا اللاعب المُحترف، والحَكم غير السّعودي، وقَد يَكون سَبب هَذا الاستثناء؛ أنَّنا درجنَا عَلى جَلب "الخَوابير"، مِن دول العَالَم الثَّالث، في بداية تَجربة الاحترَاف الخَارجي، وحِين نَضجنا نسبيًّا وكَثرت العيون الزَّرقاء في مَلاعبنا، كَانت الطيور قَد طَارت بأرزَاقها، لَكن المسكين هو الحَكم الدَّولي العَالمي، الذي أصبح أجنبيًّا -وفق قَاموسنا الخَاص- مِثل البَنغالي، بَعد أن جرفت هيبته فَوضى التَّسميّات والنّعوت في طَريقها..!
وحتَّى لا يَتّهمني البَعض بمُمارسة جَلد الذَّات، أقول بأنَّ لَدينا تَسميّات لَطيفة، تُظهر كَم نَحنُ شَعب مُسالم ومُحِب للخَير، دون أن نَتنبَّه إلى ذَلك، فَضلاً عَن تَوظيفها في تَحسين صورتنا خَارجيًّا، مِثل كَلِمات "صَديق" و"رَفيق"، التي نُطلقها عَلى مَن يَأتون إلى المَملكة للعَمل، مِثل البَنغلاديشيين والهنود، والبَاكستانيين والأفغَان، خَاصَّة أولئك الذين يُمارسون الأعمال اليَدويّة، التي تُعتبر في ثَقافتنا المُزوّرة عَيباً..!
ورُبَّما كَان السَّبب في غمط أو هَضم جَماليّات هَذه التَّسميّات الحَميميّة، أنَّنا لا نَستخدمها إلَّا للازدرَاء والاحتقَار، تَعبيراً عَن عَدم اكتراثنا بأسمَاء العُمَّال، ممَّا سَبَّب عُقدة لَديهم مِن هَاتين المُفردتين..!
وقَد اكتشف الإخوة العَرب -الذين يَعملون في المَملكة- هَذه المُفردات التي حُوّرت مَعانيها الجَميلة، فأصبَحوا يَستخدمونها مِثلنا تَماماً، مَع نَفس الفِئة المَغلوبة عَلى أمرهَا، ولَم يُكلِّفوا أنفسهم عَناء المُطالبة بنَصيبهم مِن "الصَّداقة" و"الرِّفقة"، إكرَاماً للدَّم العَربي والمَصير المُشترك، إلى آخر مُفردات الشَّاطِر "عمرو موسى"..!
ومِن طَريف مَا يُروى، أنَّ سعوديًّا ذَهب إلى بَاكستان، وأرَاد أن يَسأل عَن مَوقع السِّفارة السّعوديّة، فلَوَّح بيدهِ إلى أحد المَارة مِن مَسافة بَعيدة، طَالباً مِنه الاقترَاب قَليلاً، ويَبدو أنَّ الرَّجُل لَم يَنتبه لحركة يَده، فنَاداه قَائلاً: يا "صَديق"، وصَدف أنَّ هَذا الرَّجُل سَبق لَه العَمل في المَملكة، ولَديه عُقدة مِن هَذه الكَلِمة، فثَارت ثَائرته قَائلاً باللغة العربيّة المكسّرة: أنتَ هُنا "صَديق" وأنا "مُدير"..!
ولكَ أن تَتخيّل -عَزيزي القَارئ- مَا سيَحدث لَو عَلِمَتْ مُنظَّمات حقوق الإنسَان -التي تَتهمنا بالإساءَة للعُمَّال- أنَّنا نُسمِّي الوَاحد مِنهم "صَديق"، أي "فريند" باللغة الإنجليزيّة.. سيَرفعون لَنا -بلا شك- قُبَّعة الاحترَام، ويَعتبروننا مُجتمعاً مِثاليًّا يَندر وجوده عَلى الكُرَة الأرضيّة.. وعَلينا أن نَستثمر هَذه الفُرصة الذَّهبيّة..!.
أحمد عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق