ناصية العرفج
الاستبداد العربي ينتهي بالقطط ..!
للعربي حِيَل لا تنتهي في الهروب مِن محاسبة نفسه، وله سُبل مُلوَّنة في إلباس الآخرين سبب فشله، والأعداء هُم السبب في نظره، هُم كل المشكلة وأصل الخطأ.. والأعداء –بزعمه- هُم: "الاستعمار، أو القوى الغربية، أو أنظمة الحكم العربية"، وهذه الثلاثة -أو بعضها- هي كل الخطأ وكل المشكلات، ولكن ماذا عن تلك الأخطاء؛ التي يرتكبها المرء بمحض إرادته؟.
قبل مائة عام، ألَّف المُفكِّر "عبدالرحمن الكواكبي" كِتَابه "طبائع الاستبداد"، والقارئ لهذا الكِتَاب المهم، يجد أن الوضع كان -فيما مضى- أجمل وأحلى مما هو عليه الآن في الوطن العربي، الأمر الذي جعل البعض يَحنُّ للاستعمار. وبعدها ألَّف الأستاذ "عبدالله إبراهيم" كِتَابه المهم: "الحنين للاستعمار".
وسلسلة العنف دائرة دائمة في الوطن العربي، فالبعض مُستبد على مَن تحته، لأنه يجد استبداداً مُرًّا مِمَّن فَوقه، ولَكَ أن تتخيَّل هذه السلسلة.. فحين -مثلاً- يقمع الوزير وكيل الوزارة، فإن الوكيل –بدوره- يضطهد مديري العموم، ومديرو العموم لن يُفوّتوا فرصة "توبيخ وتعنيف" مديري مكاتبهم، وهنا لابد لمديري مكاتب مديري العموم أن يقمعوا الموظفين، لينقل هؤلاء الموظفون قمعهم على مَن تحتهم، حتى يصل القمع إلى "الفرَّاشين، وعُمَّال الصيانة، وبند الأجور"، الذين ينقلون القمع إلى زوجاتهم، والزوجات -بدورهن- ينقلن القمع والاضطهاد إلى الخادمات، والخادمات ينقلن الاضطهاد إلى الأطفال، الأمر الذي يجعل الأطفال يُريدون مُتنفِّساً لقمعهم، فلا يجدون إلا القطط وبقية الحيوانات، فيُفرغون فيهم ما بقي من القمع؛ المنحدر عليهم من فوقهم.
قد تبدو في الصورة شيءٌ من المبالغة، ولكنها مبالغة لتقريب الصورة، وليست متطابقة مع ما يقع بالضرورة، ولكن تأمَّلوا أنفسكم، وراقبوا تحركاتكم وقمعكم وعنفكم، لتعرفوا هل أنتم من أهل "الاستبداد أم لا"؟.
وهنا، لابد أن أحضر الشواهد، فالتاريخ مليء بأمراض "القمع"، الأمر الذي جعل "عمر بن الخطاب" -رضي الله عنه- يصرخ قائلاً: (متى استعبدتم الناس، وقد ولدتهم أماتهم أحراراً).
وهناك صرخةٌ أخرى لكنها للمتنبي يقولُ فيها:
(و"القمع" من شِيَم النفوس فإن تجد
ذا عفةٍ فلعلةٍ لا "يقمعُ")!!
فالشاعر -هنا- يُؤكِّد أن الظُّلم والقمع مِن شِيَم وطبائع النفس، وإن حدثَ ووجدتَ شخصاً "يتعفَّف عن الظلم"، فإنه لعلةٍ أو لمرضٍ أو لسببٍ ما؛ لا يفعل ذلك.
وحتى تكتمل الصورة، فهناك مَن يقول: (إن العربي يُحب الاستبداد، ويُقدِّر مَن يقمع ويُخيف)، إنه في هذا الصدد مثل القِط، ألم يَقُل أهل الحجاز -عليهم سحائب الرحمة-: (إن القِط يُحب خنّاقه).
في آخر الناصية أقول: يا قوم، اسألوا أنفسَكم، وأجيبوهَا لتُصلحوها: هل نحن هكذا أهل "قمع وعنف"، مِصدَاقاً لمحكم التنزيل؛ الذي أكَّد أنَّ النفس أقرب إلى الفجور، لذا بدأت الآية بهِ في قوله تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا)؟.
أحمد عبدالرحمن العرفج
T: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق