أيُّها العَرَب إيَّاكم والكَذِب ..!
ونَحنُ في رَمضان كَانت أُمِّي – قَمّصها الله ثيَاب العَافية- تَقول: إنَّ الكَذِب بضَاعة رَديئة، ومَازالت تُوصينا بـ "الصِّدق وتَحرِّي الصِّدق"؛ حتَّى نَكبر وتَكبر مَعنا هَذه الصِّفة، ونَكون مِن الصَّادقين..!
ومِثل هَذه التربية جَعلت التَّأمُّل يَفرد جِناحيه، ويَستعرض "ثَقافة الصِّدق" ومَكانها؛ في خَارطة المُجتمعات العَربيّة، مِن خِلال سُؤال كَبير يَقول: تُرى لمَاذا يَنتشر الكَذِب في العَالَم العَربي، رَغم أنَّ كُلّ الدّيانات السّماويّة المُعتَبرَة عِند العَرَب تُحرِّم الكَذِب، إضافةً أنّ الأنظمَة العَربيّة والقوى الاستعماريّة؛ والجيوش الغَربيّة الكَوكبيّة لَم تَأمُر بذَلك.. ليُصبح عِندها "الكَذِب" -أو لِنَقُل "تَرك الصِّدق"- سلُوك شَخصي، يَرتكبه المَرء وهو بكَامل إرَادته النّفسيّة والعَقليّة والفِكريّة..!
لقَد بَدا الكَذِب وكَأنّه السّمة البَارزة والخَطيئة الجَائزة؛ والحِيلة الجَاهزة عَلى مَلامح ومَفاصل وتَضاريس البَشر في الوَطن العَربي، الأمر الذي جَعل شَاعر مِثل "غَازي القصيبي" –رَحمه الله- يَصرخ قَائلاً:
ومَا نَقَمُوا مِنِّي سِوى أنَّنِي فَتىً
هَوى الصِّدْقَ فِي دُنْيا تَعِيْشُ عَلى الكَذِبِ
أكثَر مِن ذَلك، مَن يَقرأ كِتَاب "الصَّاحبي" لـ "ابن فارس" سيَجد باباً اسمه "بَاب تَكاذب الأعرَاب"، ذَكر فيهِ قصصاً عَن أعرَاب يَتنافسون في الكَذِب، ومَن مِنهم يَرمي "رُكبة ضَخمة" -كَما يَقول العَوَام-، أو يَرمي "طُوب" –كَما يَقول إخوَاننا في مِصر الشَّقيقة-، ومَن مِنهم يَستطيع أنْ يَكون "الكَذَّاب الأَشِر".. وهَا نَحنُ نَقرأ "الصَّاحبي" بَعد مِئات السِّنين، لنَعلم أنَّ الغَد سيُخبرنا مَن هو الكَذَّاب الأَشِر..!
عَجباً لهَؤلاء العَرب الذين لا يَكادون يَفقهون حَديثا، لمَاذا يَشمئزّون مِن السَّرقة ويَنفرون مِن الزِّنا، ولا يَخجلون مِن الكَذِب..؟! مَع أنَّ الأثر النَّبوي يُثبت أنَّ (المُؤمن يُمكن أن يَسرق ويَزني ولكنَّه لا يَكذِب)..!
لمَاذا أصبَحنا مَشروع إجابَة لسُؤال؛ لَيس فيهِ مَا يُميّزنا إلَّا الكَذِب..؟! كَما قَال شَاعرهم شَاعر النِّيل -ولَيس مِصر- "حَافظ إبرَاهيم":
وإذا سَألْتَ عَنِ العُرُوبةِ، قُلْ لَهُم
هي أمَّةٌ تَلْهُو وشَعْبٌ "يَكْذِبُ"!!!
إنَّ أكبَر كَارثة أنْ يَنام العَربي وهو يَكذب ويهمل، ويَدَّعي ويَستبدّ، ويُضيّع وَقته ويُحقِّر الآخرين، ثُمَّ يَنام قَرير العَين، شَبعان رَويان، مُستريح البَال قَائلاً: (إنَّ الأنظِمَة العَربيّة والاستعمَار والقوى الغَربيّة؛ هي سَبب تَخلُّف وضَياع العَرب والمُسلمين، ومَا فِيهم مِن كَذِب وخدَاع ولَف ودَوران)..!
حَسناً.. مَاذا بَقي..؟!
بَقي القَول: إنَّ المسَاحة تَضيق، ولا يَسع القَلب إلَّا أنْ يَقول: (اللّهمَّ اغفر لقَومي فإنَّهم لا يَعلمون)..!!!
أحمد عبدالرحمن العرفج
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق