الحبر الأصفر
آخر مرثية في تأبين جامعة الدول العربية
جَامعة الدّول العَربيّة؛ مُؤسَّسة عُمرها بعُمر "نوح" –عَليه السّلام- ولَكن فَائِدتها ضَئيلة، هَشّة، ضَعيفة، لَا يَكاد يَلمسها حتَّى مَن يَعمل دَاخل أَروقتها.. والسُّؤال الكَبير الذي سأُبسِّط إجَابته: لِمَاذا فَشلت جَامعة الدّول العَربيّة، ونَجَحَ الاتّحاد الأُوروبي؟!
تَقوم الرَّوابط بَين الدّول العَربيّة عَلى الدِّين واللُّغَة، والجوَار والتَّاريخ، والدَّم والمَصير المُشترك.. الخ. وهَذه مَفاهيم عَامَّة؛ تُفرِّق أكثَر ممَّا تُجمِّع..!
أكثَر مِن ذَلك: هَذه رَأسماليّات مَعنوية غَير مَحسُوسَة، ومِن المُستَحيل التَّعويل عَليها، إذ لَا يُمكن أنْ أتبَادل مَع دَولَة عَربيّة؛ نِصف كيلو "حُسن جوَار"، مُقَابِل أنْ تُعطيني تِلك الدَّولة نِصف كيلو "مَصير مُشترك".. كَما أنَّ مُعظم الدّول العَربيّة تَتشَابَه في الهمُوم والخيبَات، وهَذه الخيبَات تَمنع الاجتمَاع والاتّحاد، لأنَّها تَتشَابَه، وإذَا تَشَابهت الأشيَاء؛ يُمكن الاستغنَاء عَن الشَّبيه بشَبيهه..!
أمَّا في الاتّحاد الأُوروبي، فالرَّابِط هو الاقتصَاد، والمَصَالح المُشتركة الوَاضِحَة، التي تَجعل كُلّ دَولة تَنتصر، وتَفوز، وتَكسب.. وإذَا كُنَّا نَعتقد أنَّ العَرَب يَجب أنْ تَجمعهم اللُّغة العَربيّة؛ فإنَّ الاتّحاد الأُوروبي جَمَعَه اختلَاف الألسُن واللُّغَات، لأنَّ الاختلَافَات وَحدها تَتشَابَه -كَما يَقول المُفكِّر الفرنسي "دولوز"- أمَّا إذَا كُنتَ تَتحدَّث لُغَتي، فلَا حَاجَة لِي بك، لأنَّ الإنسَان –بطَبعه- يُريد أنْ يَتعلَّم لُغَة جَديدة، وهَذا مَا حَصَل مَع الاتّحاد الأُوروبي..!
وأخيراً أَقول: نَجَح الاتّحاد الأُوروبي في الاجتمَاع، لأنَّه يَقوم عَلى التَّضَاد، وتَبادُل المَصَالح، وقَد أَسْقَط مَفاهيم الجوَار، واللُّغَة، ورَوَابط الدِّين، والدَّم، والمَصير المُشترَك.. ولَم تَجمعهم إلَّا عُملة اليُورو، لأنَّهم يَتدَاولون بِهَا، ويَتقَايضون بِهَا، ويَبيعون ويَشترون بِهَا..!
حَسناً.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أنْ أُؤكِّد عَلَى أنَّ جَامعة الدّول العَربية –إذَا أرَادت أنْ تَنْجَح- فيَجب أنْ تَتخلَّى عَن رَوابطها البَالية؛ التي لَا تُفيد شَيئاً، وتَبحث عَن رَوابط مَحسوسة، مَلموسة، تَجعل كُلّ دَولة تَأخذ بقَدْر مَا تُعطي، وتَكسب بقَدْر مَا تُشارك..!!!
أحمد عبدالرحمن العرفج
T: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق