الأربعاء، 27 نوفمبر 2019

تَسفُّل الشّعوب الميّتة ..!

تَسفُّل الشّعوب الميّتة ..!

يَحلو للبَعض أن يُحمِّل الحكومَات والأنظمَة بَعض مَظاهر الفَوضى، وعَدم التَّقيّد بالنِّظام، ومِثل هَذا الاتّهام يَجب أن يُوضع مَوضع التَّأمُّل والتَّدبُّر، بَدلاً مِن الإيمَان المُطلق بِه، وقبوله هَكذا، مِن غَيرِ مُناقشة أو حِسَاب..!
خُذ مَثلاً: الشّعوب الأوروبيّة، ولنُحدِّد الشَّعب الإنجليزي العَظيم، لَو أنَّ أحداً مِن النَّاس خَالف النِّظام، كأن يُشعِل سِيجارة –مثلاً- في مَكان يُمنع فيه التَّدخين، تَصوَّر أنَّ النَّاس الحَاضرين هُم أوّل مَن يُنكر هَذا المُنكر، وأوّل مَن يَرفضه، وأوَل مَن يَعترض عَليه، وهَذه ثَقافة الشّعوب الحيّة، التي تَمقت الخَطأ مِن تِلقَاء نَفسها، ولا تَنتظر مَقولة: "إنّ الله ليَزع بالسُّلطان مَا لا يَزع بالقُرآن"، فكُلّ رَجُل في بريطانيا هو حَامٍ للنِّظام، ومُدافع عَنه، مَتى أُقر النِّظام وطُبّق، وأُجمع عَليه، وصَدر فيهِ مَرسوم..!
مِثَال آخر: لَو حَاولتَ أن تُقذف بقمَامتك -في أي حي في بريطانيا- في وَقت غَير مُخصَّص لرَمي القمَامَات، ستَجد أنَّ الجيران أوّل مَن يُنكر عَليك ذَلك ويَشتكيك، ويَرفض هذا الأسلوب مِنك، ولا يَنتظرون رَجُل البلديّة أو الأمَانة ليَأتي؛ حتَّى يَضبطك مُتلبِّساً بالمُخالفة..!
هَذا في حَالة الشّعوب الحيّة، أمَّا الشّعوب الميّتة، فهي "تتسفَّل" كَما يَقول المُفكِّر "عبدالرحمن الكواكبي" في كِتَابه "طَبائع الاستبداد"، بحيثُ يَتواصون عَلى المُخالفة، ويَتعاونون عَلى الإثم والمُنكر، ويَبتعدون عَن الخَير وإنكَار الخَطأ..!
وحتَّى يَكون المِثَال وَاضِحاً، حَاول أن تَدخل إلى أي مَطار مِن المَطارات في السّعوديّة، ستَجد أنَّ الكُلّ يُدخِّن، المواطن والمُقيم، مَع أنَّ لَوحات "مَمنوع التَّدخين" تَملأ الزَّوايا والأركَان، ومَا جَرَّأهم وشَجَّعهم عَلى ذَلك إلَّا الاستخفَاف بالنِّظام، والتَّجرُّؤ عَليه، ولا تَكاد تَرى أيًّا مِن الحضور في المَطار؛ يُحاول أن يلفت نَظر المُدخِّن إلى المُخالفة..!
صَحيح أنَّ هَذه مُخالفة تُعتبر لَدى البَعض تَافهة، ولَكنها تُشير إلى استخفَاف النَّاس بالأنظمَة، وتَسفُّلهم، بحيثُ يُمارسون المُخالفة بشَكلٍ جَماعي وعَلني..!
حَسناً.. مَاذا بَقي..؟!
بَقي القَول: إنَّ الشّعوب الحيّة تُدرك أن التَّجرُّؤ عَلى الأنظمَة الصَّغيرة سيُؤدِّي إلى التَّجرُّؤ عَلى الأنظمَة الكَبيرة، لذلك هي تُحارب الصَّغائر قَبل الكَبائر، مُدركة أنَّ مَن يسرق اليوم بيضة سيَسرق غَداً دَجاجة، وبَعد غَد أرضاً، وهَكذا..!
إنَّنا بحَاجة إلى تَأمُّل أخطائنا، بَدلاً مِن الانشغال بقَضايا إيران وحزب الله، وأمريكا وصَواريخ إسرائيل، لأنَّ الاشتغال بهَذه القَضايا لا يَدلُّ عَلى الاهتمام بالآخرين، وإنَّما يَدلُّ عَلى العَجز مِن إصلاح النَّفس، ولذلك -كإبراء للذِّمَّة- نَنشغل بإصلاح الآخرين والاهتمَام بِهم، بَدلاً مِن إصلاح أنفسنَا..!.

أحمد عبدالرحمن العرفج

Arfaj555@yahoo.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!