الخميس، 5 ديسمبر 2019

أوجاع الكتابة تبعث على الغرابة


الحبر الأصفر
أوجاع الكتابة تبعث على الغرابة

الكِتَابة -بشِقّيهَا الشِّعري والنَّثرِي؛ عِندَ مَن يُدركون أَبعَادهَا، ويَشعرون بأَلمهَا، تُشبه إلَى حَدٍّ بَعيد خرُوج البيضَة مِن أَمعَاء الدَّجَاجَة.. إنَّها حَالة وِلَادَة مُؤلِمَة مُتعِبَة، تَجعل القَبْض عَليهَا؛ كالقَبْض عَلَى الجَمْر، وحَتَّى لَا نَتيه فِي التَّنظير، دَعونَا نَطرح الشَّواهِد مِن الوَاقِع والوَقَائِع، ليَتبيَّن الحِبر الأَسوَد مِن الحِبر الأَصفَر..!
تَقول الكَاتِبَة الرِّوائيَّة "إيزابيل الليندي": (عِندَما كُنتُ أكتُب كِتَابي الأَخير "الجزيرَة تَحت البَحر"، مَرضتُ إلَى حَدٍّ فَظيع، حَتَّى ظَنَنتُ بأنَّني مُصَابة بسَرطَان فِي المَعِدَة، وَاصلتُ التَّقيُّؤ، ولَم أَقدر عَلَى الاستلقَاء، وكَان عَلَيَّ أَنْ أَنَام جَالِسَة. قَال لِي زَوجي: "إنَّه جَسدك يَتفَاعل مَع القصّة، عِندَما تُنهي الكِتَاب ستَكونين بخَير"، وهَذا مَا حَدَث بالضَّبط)..!
أَكثَر مِن ذَلك، هَذا عَمّنا الفَرزدَق -الشَّاعِر العِملَاق- يَشتَكي مِن مَخاض الوِلَادَة القَيصريَّة للقَصيدَة، حَيثُ يَقول: (أَنَا أشعر تَميمٍ عِند تَميم، وقَد يَأتي عَليَّ الحِين، ونَزْع ضِرس عَندي أَهوَن مِن قَول بَيت شِعر)..!
وإذَا أَردنَا الاستشهَاد بأُنَاس حَولنَا، فإليكُم كَلَام الشَّاعِر الكَبير "نزار قباني"، حَيثُ يَقول:
نَارُ الكِتَابَةِ أَحرَقتْ أَعصَابنَا
وحَيَاتنَا الكبريتُ والأحطَابُ
وفِي مَوضعٍ آخَر يَقول "نزار":
أَنَا بَعض هَذا الحِبر مَا عُدتُ دَارياً
حدُود حرُوفِي مِن حدُودِ أَصَابِعي
ولَو أَردنَا التَّطرُّف، والتَّزمُّت فِي مَفهوم الكِتَابَة، لقُلنا إِنَّها تَعني للبَعض الرِّئة التي يَتنفَّسون بِهَا، وإنْ كُنتُ أَرَى أَنَّ هَذا فِيهِ شَيءٍ مِن المُبَالَغَة، حَيثُ تَقول الأَديبَة الرِّوائيَّة الأَمريكيَّة "غيش جين": (الكِتَابَة هي جُزء جَوهري؛ مِن وجُودي فِي هَذَا العَالَم، فالأَكل والنَّوم والكِتَابة؛ أمُور تَسير جَنباً إلَى جَنب. إنَّني لَا أُفكِّر لِمَاذَا أَكتُب؛ أَكثَر مِمَّا أُفكِّر لِمَاذَا أَتنفَّس، فغِيَاب الكِتَابَة أَمرٌ سَيئ، تَمَاماً كَما هو عَدم التَّنفُّس)..!
حَسنًا.. مَاذا بَقي؟!
بَقي أَنَّ آلَام الكِتَابَة لَا تُعدُّ ولَا تُحصَى؛ عِند مَعشَر الأُدبَاء والكُتَّاب، فمَاذَا عَن آلَام القِرَاءَة أَيُّها القُرَّاء والقَارِئَات..؟!!

أحمد عبدالرحمن العرفج
T: Arfaj1
Arfaj555@yahoo.com



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مشاركة مميزة

لكُلِّ مثابرٍ نصيب.. مِن دأب النجيب!